للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النًّبوَّة خير من أموالهم التي يجمعونها، قاله ابن عباس. والثاني: الجنة خير ممّا يجمعون في الدنيا، قاله السدي.

قوله تعالى: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فيه قولان: أحدهما: لولا أن يجتمعوا على الكفر، قاله ابن عباس. والثاني: على إِيثار الدنيا على الدِّين، قاله ابن زيد. قوله تعالى: لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ لهوان الدنيا عندنا. قال الفراء: إن شئتَ جعلت اللّام في «لبيوتهم» مكرّرة، كقوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ «١» وإِن شئتَ جعلتَها بمعنى «على» ، كأنه قال: جَعَلْنا لهم على بُيوتهم، تقول للرجل: جعلتُ لك لقومك الأُعطية، أي: جعلتُها من أجلك لهم.

قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: «سَقْفاً» على التوحيد. وقرأ الباقون: «سُقُفاً» بضم السين والقاف جميعاً «٢» . قال الزجاج: والسَّقف واحد يدلُّ على الجمع فالمعنى: جعلْنا لبيتِ كلِّ واحد منهم سقفاً من فِضَّة وَمَعارِجَ وهي الدَّرَج والمعنى: وجعلْنا معارج من فِضَّة، وكذلك «وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً» أي من فِضَّة وَسُرُراً أي من فِضَّة. قوله تعالى: عَلَيْها يَظْهَرُونَ قال ابن قتيبة: أي: يَعْلُون، يقال: ظَهَرْتُ على البيت: إذا علَوْت سطحه. قوله تعالى: وَزُخْرُفاً وهو الذهب والمعنى: ويجعل لهم مع ذلك ذهباً وغنىً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا المعنى: لَمَتاع الحياة الدنيا، و «ما» زائدة. وقرأ عاصم، وحمزة: «لَمّا» بالتشديد، فجعلاه بمعنى «إِلاّ» والمعنى: إِنّ ذلك يُتمتَّع به قليلاً ثم يزول وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ خاصّة لهم.

[سورة الزخرف (٤٣) : الآيات ٣٦ الى ٤٠]

وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) حَتَّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ (٣٨) وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ (٣٩) أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ وَمَنْ كانَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٤٠)


(١) البقرة: ٢١٧.
(٢) قال القرطبي رحمه الله في «تفسيره» ١٦/ ٧٤: استدل بعض العلماء بهذه الآية على أن السقف لاحق لرب العلو، لأن الله تعالى جعل السقوف للبيوت كما جعل الأبواب لها. وهذا مذهب مالك رحمه الله.
قال ابن العربي: وذلك لأن البيت عبارة عن قاعة وجدار وسقف وباب. فمن له البيت فله أركانه ولا خلاف أن العلو له إلى السماء. واختلفوا في السفل، فمنهم من قال: هو له ومنهم من قال: ليس له في باطن الأرض شيء. وفي مذهبنا القولان. ومن أحكام العلو والسفل: إذا كان العلو والسفل بين رجلين فيعتل السفل أو يريد صاحبه هدمه فذكر سحنون عن أشهب أنه قال: إذا أراد صاحب السفل أن يهدم، أو أراد صاحب العلو أن يبني علوه فليس لصاحب السفل أن يهدم إلا من ضرورة. ويكون هدمه له أرفق لصاحب العلو، لئلا ينهدم بانهدامه العلو، وليس لربّ العلو أن يبني على علوه شيئا لم يكن قبل ذلك إلا الشيء الخفيف الذي لا يضر بصاحب السفل. وحجة مالك وأشهب، حديث النعمان بن بشير عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا» . أخرجه البخاري ٢٤٩٣ وغيره. وفيه دليل على استحقاق العقوبة بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>