للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأوَّلِين، قاله ابن قتيبة، وإِلى نحوه ذهب الفراء، وأبو عبيدة. والثالث: علامة مِنْ عِلْم، قاله الزجاج.

وقرأ ابن مسعود، وأبو رزين، وأيوب السختياني، ويعقوب: «أثَرَةٍ» بفتح الثاء، مثل شجرة. ثم ذكروا في معناها ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الخَطُّ، قاله ابن عباس وقال: هو خَط كانت العرب تخُطُّه في الأرض، قال أبو بكر بن عيّاش: الخَطُّ هو العِيافة. والثاني: أو عِلْم تأثُرونه عن غيركم، قاله مجاهد.

والثالث: خاصَّة مِنْ عِلْم، قاله قتادة. وقرأ أُبيُّ بن كعب، وأبو عبد الرحمن السلمي، والحسن، وقتادة، والضحاك، وابن يعمر: «أثْرَةٍ» بسكون الثاء من غير ألف بوزن نَظْرَةٍ. وقال الفراء: قرئت «أثارةٍ» و «أثَرَةٍ» ، وهي لغات، ومعنى الكل: بقيَّة مِنْ عِلْم، ويقال: أو شيء مأثور من كتب الأولين، فمن قرأ «أثارةٍ» فهو المصدر، مثل قولك: السماحة والشجاعة، ومن قرأ «أثَرَةٍ» فإنه بناه على الأثَر، كما قيل:

قَتَرة، ومن قرأ «أثرة» فكأنه أراد قوله: «الخطفة» «١» و «الرّجفة» «٢» . وقال اليزيدي: الأثارة: البقيَّة والأثَرَة، مصدر أثَرَه يأثُرُه، أي: يذكُره ويَرويه، ومنه: حديثٌ مأثور.

[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ٥ الى ٨]

وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ (٥) وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ (٦) وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٨)

قوله تعالى: مَنْ لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُ يعني الأصنام وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ لأنها جماد لا تَسمع، فإذا قامت القيامة صارت الآلهة أعداءً لعابديها في الدنيا. ثم ذكر بما بعد هذا أنهم يسمُّون القرآن سِحْراً وأن محمداً افتراه. قوله تعالى: فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أي: لا تقدِرون على أن ترُدُّوا عني عذابَه، أي: فكيف أفتري مِنْ أجِلكم وأنتم لا تقدرون على دفع عذابه عنِّي؟! هُوَ أَعْلَمُ بِما تُفِيضُونَ فِيهِ أي: بما تقولون في القرآن وتخوضون فيه من التكذيب والقول بأنه سِحْر كَفى بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ أن القرآن جاء مِنْ عندِ الله وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ في تأخير العذاب عنكم. وقال الزجاج: إنما ذكر هاهنا الغُفران والرَّحمة ليُعْلِمَهم أنَّ من أتى ما أَتَيْتُم ثم تاب فإن الله تعالى غفور له رحيم به.

[سورة الأحقاف (٤٦) : الآيات ٩ الى ١٠]

قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ وَما أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠)

قوله تعالى: قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ أي: ما أنا بأوَّل رسولٍ. والبِدْع والبديع من كل شيء:

المبتدأ وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ وقرأ ابن يعمر، وابن أبي عبلة: «ما يَفْعَلُ» بفتح الياء ثم فيه


(١) الصافات: ١٠.
(٢) الأعراف: ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>