للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على ذلك وتقول: لو شئت لسمَّيتُ الذي نزلتْ فيه.

قال الزجاج: وقول من قال: إِنها نزلت في عبد الرحمن، باطل بقوله: أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فأعلَمَ اللهُ أن هؤلاء لا يؤمِنون، وعبد الرحمن مؤمن، والتفسير الصّحيح أنها نزلت في الكافر العاقِّ. وروي عن مجاهد أنها نزلت في عبد الله بن أبي بكر، وعن الحسن أنها نزلت في جماعة من كفار قريش قالوا ذلك لآبائهم.

قوله تعالى: وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي فيه قولان: أحدهما: مضت القُرون فلم يرجع منهم أحد، قاله مقاتل. والثاني: مضت القُرون مكذِّبة بهذا، قاله أبو سليمان الدمشقي.

قوله تعالى: وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ أي: يَدعُوَان اللهَ له بالهدى ويقولان له: وَيْلَكَ آمِنْ أي:

صدِّق بالبعث، فَيَقُولُ ما هذا الذي تقولان إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ وقد سبق شرحها.

قوله تعالى: أُولئِكَ يعني الكفار الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ أي: وجب عليهم قضاء الله أنهم من أهل النار فِي أُمَمٍ أي: مع أُمم. فذكر الله تعالى في الآيتين قَبْلَ هذه مَنْ بَرَّ والدَيْه وعَمِل بوصيَّة الله عزّ وجلّ، ثم ذكر مَنْ لم يَعْمَل بالوصيَّة ولم يُطِعْ ربَّه ولا والدَيْه، إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ وقرأ ابن السميفع، وأبو عمران: «أنَّهم» بفتح الهمزة. ثم قال: وَلِكُلٍّ دَرَجاتٌ مِمَّا عَمِلُوا أي: منازل ومراتب بحسب ما اكتسبوه من إِيمان وكفر، فيتفاضل أهلُ الجنة في الكرامة، وأهل النار في العذاب وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمالَهُمْ قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو: «ولِيُوَفِّيَهُمْ» بالياء، وقرأ الباقون: بالنون أي:

جزاء أعمالهم.

قوله تعالى: وَيَوْمَ يُعْرَضُ المعنى: واذكُرْ لهم يومَ يُعْرَض الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ أي:

ويقال لهم: أذهبتم، قرأ ابن كثير: «آذْهَبْتُمْ» بهمزة مطوَّلة. وقرأ ابن عامر: «أأذْهَبْتُمْ» بهمزتين. وقرأ نافع، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: «أذْهَبْتُمْ» على الخبر، وهو توبيخ لهم. قال الفراء والزجاج: العرب توبِّخ بالألف وبغير الألف، فتقول: أذَهَبْتَ وفعلت كذا؟! وذهبتَ ففعلت؟! قال المفسرون: والمراد بطيِّباتهم: ما كانوا فيه من اللذَّات مشتغلين بها عن الآخرة مُعرِضين عن شُكرها.

ولمّا وبَّخهم اللهُ بذلك، آثر النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه والصالحون بعدهم اجتنابَ نعيم العيش ولذَّته ليتكامل أجرُهم ولئلا يُلهيَهم عن مَعادهم.

(١٢٦٧) وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه دخل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو مضطجع على خَصَفة وبعضُه على التراب وتحت رأسه وسادة محشوَّة ليفاً، فقال: يا رسول الله، أنتَ نبيُّ الله وصفوتُه، وكسرى وقيصر على سُرُر الذَّهب وفُرُش الدِّيباج والحرير؟! فقال صلّى الله عليه وسلّم: «يا عمر، إنّ أولئك قوم عجّلت


صحيح. أخرجه البخاري ٢٤٦٨ ومسلم ١٤٧٩ والترمذي ٣٣١٨ وابن حبان ٤٢٦٨ من حديث ابن عباس في خبر مطوّل. وانظر «تفسير القرطبي» ٥٤٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>