للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونعته في كتابهم. وسَوَّلَ بمعنى زيَّن. وَأَمْلى لَهُمْ قرأ أبو عمرو، وزيد عن يعقوب: «وأُمْلِيَ لهم» بضم الهمزة وكسر اللام وبعدها ياء مفتوحة. وقرأ يعقوب إِلاّ زيداً، وأبان عن عاصم كذلك، إِلاّ أنهما أسكنا الياء. وقرأ الباقون بفتح الهمزة واللام. وقد سبق معنى الإملاء «١» .

قوله تعالى: ذلِكَ قال الزجاج: المعنى: الأَمْرُ ذلك، أي: ذلك الإِضلال بقولهم: لِلَّذِينَ كَرِهُوا ما نَزَّلَ اللَّهُ وفي الكارهِين قولان: أحدهما: أنهم المنافقون، فعلى هذا في معنى قوله:

سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ ثلاثة أقوال: أحدها: في القعود عن نصرة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، قاله السدي.

والثاني: في المَيْل إِليكم والمظاهرة على محمّد صلّى الله عليه وسلّم والثالث: في الارتداد بعد الإِيمان، حكاهما الماوردي. والثاني: أنهم اليهود، فعلى هذا في الذي أطاعوهم فيه قولان: أحدهما: في أن لا يصدّقوا شيئا من مقالة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قاله الضحاك. والثاني: في كَتْم ما عَلِموه من نُبوَّته، قاله ابن جريج.

وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ قرأ حمزة، والكسائي، وخلف، وحفص عن عاصم، والوليد عن يعقوب: بكسر الألف على أنه مصدر أسْرَرْتُ: وقرأ الباقون: بفتحها على أنه جمع سِرٍّ، والمعنى أنه يَعْلَم ما بين اليهود والمنافقين من السِّرِّ.

قوله تعالى: فَكَيْفَ إِذا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلائِكَةُ؟ أي: فكيف يكون حالُهم حينئذ؟ وقد بيَّنّا في الأنفال «٢» معنى قوله: يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ.

قوله تعالى: وَكَرِهُوا رِضْوانَهُ أي: كَرِهوا ما فيه الرِّضوان، وهو الإيمان والطّاعة.

[سورة محمد (٤٧) : الآيات ٢٩ الى ٣٤]

أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ (٢٩) وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمالَكُمْ (٣٠) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ (٣١) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً وَسَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ (٣٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ (٣٣)

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (٣٤)

قوله تعالى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أي: نفاق أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ قال الفراء: أي لن يُبْدِيَ اللهُ عداوتهم وبغضهم لمحمّد صلّى الله عليه وسلّم. وقال الزجاج: أي: لن يُبْدِيَ عداوتَهم لرسوله صلّى الله عليه وسلّم ويُظْهِرَهُ على نفاقهم. وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ أي: لعرَّفْناكهم، تقول: قد أرَيْتُكَ هذا الأمر، أي: قد عرَّفْتُك إيّاه، المعنى: لو نشاء لجَعَلْنا على المنافقين علامة، وهي السّيماء فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ أي: بتلك العلامة وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ أي: في فحوى القَوْل، فدلَّ بهذا على أن قول القائل وفعله يدُلُّ على نِيَّته. وقولُ الناس: قد لَحَنَ فلانٌ، تأويله: قد أَخذ في ناحية عن الصواب، وَعدَلَ عن الصواب إِليها. وقول الشاعر:

مَنْطِقٌ صائِبٌ وتَلْحَنُ أحيانا ... ، وخير الحديث ما كان لحنا «٣»


(١) آل عمران: ١٧٨، والأعراف: ١٨٣.
(٢) الأنفال: ٥٠.
(٣) البيت لمالك بن أسماء بن خارجة الفزازي وهو في «اللسان» - لحن- قال في «اللسان» : ومعنى صائب: قاصد الصواب وإن لم يصب، وتلحن أحيانا أي تصيب وتفطن قال: فصار تفسير اللحن في البيت على ثلاثة أوجه:
الفطنة والفهم، والتعرض، والخطأ في الإعراب.

<<  <  ج: ص:  >  >>