للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حلف أن لا يقربها السنة، والثلاث، فيدعها لا أيّماً ولا ذات بعل، فلما كان الإسلام جعل الله تعالى ذلك للمسلمين أربعة أشهر، وأنزل هذه الآية. وقال سعيد بن المسيب: كان الإيلاء ضرار أهل الجاهلية، وكان الرجل لا يريد المرأة، ولا يحب أن يتزوجها غيره، فيحلف أن لا يقربها أبداً، فجعل الله تعالى الأجل الذي يعلم به ما عند الرجل في المرأة أربعة أشهر، وأنزل هذه الآية. قال ابن قتيبة: يؤلون، أي: يحلفون، يقال: آليت من امرأتي، أولي إيلاء: إذا حلف لا يجامعها. والاسم:

الأليَّة. وقال الزجاج: يقال من الإيلاء: آليت أولي إيلاء وأليَّة وأُلْوةً وأَلْوَةً وإِلْوَةً، وهي بالكسر أقل اللغات، قال كثير:

قليل الألايا حافظٌ ليمينه ... وإِن بدرت منه الأليَّة برَّت

وحكي ابن الأنباري عن بعض اللغويين أنه قال: «من» بمعنى: «في» أو: «على» ، والتقدير: على وطء نسائهم، فحذف الوطء، وأقام النساء مقامه، كقوله تعالى: ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ «١» ، أي: على ألسنة رسلك. وقيل: في الكلام حذف، تقديره: يؤلون، يعتزلون من نسائهم. والتربص: الانتظار. ولا يكون مؤلياً إلا إذا حلف بالله لا يصيب زوجته أكثر من أربعة أشهر، فإن حلف على أربعة أشهر فما دون، لم يكن مؤلياً. وهذا قول مالك، وأحمد، والشافعي «٢» . وفاؤوا: رجعوا، ومعناه رجعوا إلى


(١) آل عمران: ١٩٤.
(٢) قال القرطبي رحمه الله ٣/ ١٠٠: واختلف العلماء فيما يقع فيه الإيلاء من اليمين، فقال قوم: لا يقع الإيلاء إلّا باليمين بالله تعالى وحده. لقوله صلّى الله عليه وسلّم: «من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت» وبه قال الشافعي في الجديد.
وقال ابن عباس: كل يمين منعت جماعا فهي إيلاء وبه قال النخعي ومالك والشعبي وأهل الحجاز وسفيان الثوري وأهل العراق والشافعي في القول الآخر. قال ابن عبد البر: وكل يمين لا يقدر صاحبها على جماع امرأته من أجلها إلّا بأن يحنث بها فهو بها مول، إذا كانت يمينه على أكثر من أربعة أشهر. فإن قال: أقسم أو عزم ولم يذكر الله فقيل: لا يدخل عليه الإيلاء، إلّا أن يكون أراد ب «الله» ونواه. واختلف العلماء في الإيلاء المذكور في القرآن، فقال ابن عباس: لا يكون موليا حتى يحلف ألا يمسها أبدا. وقالت طائفة: إذا حلف ألا يقرب امرأته يوما أو أقل أو أكثر ثم لم يطأ أربعة أشهر بانت منه بالإيلاء قال ابن المنذر: وأنكر هذا القول كثير من أهل العلم. وقال الجمهور: الإيلاء هو أن يحلف ألا يطأ أكثر من أربعة أشهر، فإن حلف على أربعة فما دونها لا يكون موليا وكانت عندهم يمينا محضا. لو وطئ في هذه المدة لم يكن عليه شيء كسائر الأيمان، هذا قول مالك والشافعي وأحمد وأبي ثور. وقال مالك والشافعي: جعل الله للمولي أربعة أشهر، فهي بكمالها لا اعتراض لزوجته عليه فيها، كما أن الدين المؤجّل لا يستحق صاحبه المطالبة به إلّا بعد تمام الأجل.
واختلفوا فيمن حلف ألا يطأ امرأته أكثر من أربعة أشهر فانقضت الأربعة أشهر فلم تطالبه امرأته ولا رفعته إلى السلطان ليوقفه، لم يلزمه شيء عند مالك وأصحابه وأكثر أهل المدينة. ومن علمائنا من يقول: يلزمه بانقضاء الأربعة أشهر طلقة رجعية. ومن غيرهم من يقول: طلقة بائنة والصحيح ما ذهب إليه مالك وأصحابه، وذلك أن المولي لا يلزمه طلاق حتى يوقفه السلطان بمطالبة زوجته له ليفيء ويكفر عن يمينه أو يطلق ولا يتركه حتى يفيء أو يطلق. وبه قال الشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور واختاره ابن المنذر. وأجل المولي من يوم الحلف لا من يوم تخاصمه امرأته وترفعه إلى الحاكم. وأوجب مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم وجمهور العلماء الكفارة على المولي إذا فاء بجماع امرأته وقال الحسن: لا كفارة عليه، وبه قال النخعي. قلت: وقد يستدل لهذا القول من السنة بحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليتركها فإنّ تركها كفارتها» .

<<  <  ج: ص:  >  >>