للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عباس في رواية ابن أبي طلحة وقال في رواية مجاهد: أما إِنه ليس بالذي ترون، ولكنه سيما الإِسلام وسَمْتُه وخُشوعُه، وكذلك قال مجاهد: ليس بِنَدَبِ التراب في الوجه، ولكنه الخُشوع والوَقار والتواضع. والثاني: أنه نَدَى الطّهور وثرى الأرض، قاله سعيد بن جبير. وقال أبو العالية: لأنهم يسجُدون على التراب لا على الأثواب. وقال الأوزاعي: بلغني أنه ما حمَلَتْ جباهُهم من الأرض.

والثالث: أنه السُّهوم، فإذا سهم وجه الرجُل من الليل أصبح مُصفارّاً. قال الحسن البصري: «سيماهم في وجوههم» : الصُّفرة وقال سعيد بن جبير: أثر السهر وقال شمر بن عطية: هو تهيُّج في الوجه من سهر الليل.

والقول الثاني: أنها في الآخرة. ثم فيه قولان: أحدهما: أن مواضع السجود من وجوههم يكون أشدَّ وجوههم بياضاً يوم القيامة، قاله عطية العوفي، وإِلى نحو هذا ذهب الحسن، والزهري. وروى العوفي عن ابن عباس قال: صلاتهم تبدو في وجوههم يوم القيامة. والثاني: أنهم يُبْعَثون غُراً محجَّلين من أثر الطَّهور، ذكره الزجاج.

قوله تعالى: ذلِكَ مَثَلُهُمْ أي: صِفَتُهم، والمعنى أن صفة محمّد صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه فِي التَّوْراةِ هذا. فأما قوله: وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ ففيه ثلاثة أقوال «١» : أحدها: أن هذا المَثَل المذكور أنه في التوراة هو مَثَلُهم في الإِنجيل. قال مجاهد: مَثَلُهم في التوراة والإِنجيل واحد. والثاني: أن المتقدِّم مَثَلُهم في التوراة. فأمّا مَثَلُهم في الإِنجيل فهو قوله: كَزَرْعٍ، وهذا قول الضحاك وابن زيد. والثالث: أن مَثَلَهُم في التوراة والإِنجيل كزرع، ذكر هذه الأقوال أبو سليمان الدمشقي. قوله تعالى: أَخْرَجَ شَطْأَهُ وقرأ ابن كثير، وابن عامر: «شَطَأَهُ» بفتح الطاء والهمزة. وقرأ نافع، وعاصم، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: «شطْأه» بسكون الطاء. وكلهم يقرأ بهمزة مفتوحة. وقرأ أُبيّ بن كعب، وأبو العالية، وابن أبي عبلة: «شَطاءَهُ» بفتح الطاء وبالمد والهمزة وبألف. قال أبو عبيدة: أي: فِراخه، يقال: أشطأ الزَّرعُ فهو مشطئ: إِذا أفرخ فَآزَرَهُ أي: ساواه وصار مثل الأُمّ. وقرأ ابن عامر: «فأَزَرَهُ» مقصورة الهمزة مثل فَعَلَهُ. وقال ابن قتيبة: آزره: أعانه وقوّاه فَاسْتَغْلَظَ أي: غَلُظ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ وهي جمع «ساق» ، وهذا مَثَلٌ ضربه اللهُ عزّ وجلّ للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم إِذ خرج وحده، فأيَّده بأصحابه، كما قوَّى الطَّاقة من الزَّرع بما نبت منها حتى كَبُرتْ وغَلُظت واستحكمت. وقرأ ابن كثير: «على سُؤْقه» مهموزة، والباقون:

بلا همزة. وقال قتادة: في الإِنجيل: سيَخْرج قومٌ ينبتون نبات الزَّرع، وفيمن أُريدَ بهذا المثَل قولان «٢» :

أحدهما: أن أصل الزَّرع: عبد المطلب «أخرج شطأه» أخرج محمّدا صلّى الله عليه وسلّم فَآزَرَهُ: بأبي بكر فَاسْتَغْلَظَ: بعمر فَاسْتَوى: بعثمان عَلى سُوقِهِ: عليّ بن أبي طالب، رواه سعيد بن جبير عن


(١) قال الطبري رحمه الله في «تفسيره» ١١/ ٣٧٣: الصواب قول من قال: مثلهم في التوراة غير مثلهم في الإنجيل وأن الخبر عن مثلهم في التوراة متناه عند قوله: ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وذلك لو كان القول: أن مثلهم في التوراة والإنجيل واحد، لكان التنزيل، ومثلهم في الإنجيل وكزرع أخرج شطأه، فكان تمثيلهم بالزرع معطوفا على قوله: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ وفي مجيء الكلام بغير واو في قوله: (كزرع) دليل بيّن على صحة ما قلنا.
(٢) لا يصح مثل هذا عن ابن عباس ولا عن سعيد بن جبير، بل هو من بدع التأويل.

<<  <  ج: ص:  >  >>