للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم دلَّهم على قُدرته على البعث بقوله: أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها بغير عمد وَزَيَّنَّاها بالكواكب وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ أي: من صُدوع وشُقوق، والزَّوج: الجنس. والبهيج:

الحَسَن، قاله أبو عبيدة. وقال ابن قتيبة: البهيج: الذي يُبْتَهَج به.

قوله تعالى: تَبْصِرَةً وَذِكْرى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ قال الزجاج: أي: فَعَلنا ذلك لِنُبَصِّر ونَدُلَّ على القُدرة. والمُنيب: الذي يَرْجِع إلى الله ويفكِّر في قُدرته.

قوله تعالى: وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماء وهو المطر مُبارَكاً أي: كثير الخير، فيه حياة كل شيء فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وهي البساتين وَحَبَّ الْحَصِيدِ أراد: الحَبَّ الحَصيدَ، فأضافه إلى نفسه، كقوله:

لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ «١» وقوله: مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ «٢» فالحَبْلُ هو الوَريد، وكما يقال: صلاةُ الأُولى، يراد:

الصلاةُ الأُولى، ويقال: مسجدُ الجامع، يراد: المسجدُ الجامعُ، وإنما تضاف هذه الأشياء إلى أنفسها لاختلاف لفظ اسمها، وهذا قول الفراء، وابن قتيبة. وقال غيرهما: أراد حَبَّ النّبتِ الحَصيدِ.

وَالنَّخْلَ أي: وأنْبَتْنا النخل باسِقاتٍ و «بُسوقها» : طُولها قال ابن قتيبة: يقال: بَسقَ الشيءُ يَبْسُقُ بُسوقاً: إذا طال، والنَّضيد: المنضود بعضُه فوق بعض، وذلك قبل أن يتفتَّح، فاذا انشقَّ جُفُّ طلْعه وتفرَّق فليس بنضيدٍ. قوله تعالى: رِزْقاً لِلْعِبادِ أي: أنْبَتْنا هذه الأشياء للرِّزق وَأَحْيَيْنا بِهِ أي:

بالمطر بَلْدَةً مَيْتاً كَذلِكَ الْخُرُوجُ من القُبور.

ثم ذكر الأُمم المكذِّبة بما بعد هذا، وقد سبق بيانه إلى قوله: فَحَقَّ وَعِيدِ أي: وجب عليهم عذابي. أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ هذا جواب لقولهم: ذلك رَجْعٌ بَعيدٌ. والمعنى: أعَجَزْنا عن ابتداء الخَلْق، وهو الخَلْق الأَوَّل، فنعيا بالبعث وهو الخلق الثاني؟! وهذا تقرير لهم، لأنهم اعترفوا أنه الخالق وأنكروا البعث بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ أي في شَكٍّ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ وهو البعث.

[سورة ق (٥٠) : الآيات ١٦ الى ٢٢]

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (٢٠)

وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ (٢١) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢)


(١) الواقعة: ٩٥.
(٢) ق: ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>