للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عفان، وابن عمر، ومجاهد، وعكرمة، وابن محيصن: «يُوعَدونَ» بالياء لِكُلِّ أَوَّابٍ وفيه أقوال قد ذكرناها في بني إسرائيل «١» . وفي حَفِيظٍ قولان: أحدهما: الحافظ لذنوبه حتى يرجع عنها قاله ابن عباس. والثاني: الحافظ لأمر الله تعالى، قاله مقاتل.

قوله تعالى: مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ قد بيَّنّاه في (الأنبياء) «٢» وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ أي: راجع إلى طاعة الله عن معصيته. ادْخُلُوها أي: يقال لهم: أُدخلوا الجنة بِسَلامٍ وذلك أنهم سَلِموا من عذاب الله، وسلموا فيها من الغُموم والتغيُّر والزَّوال، وسلَّم اللهُ وملائكتُه عليهم ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ في الجنة، لأنه لا موت فيها ولا زوال. لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وذلك أنهم يَسألون الله حتى تنتهي مسائلُهم، فيُعْطَوْن ما شاؤوا، ثم يَزيدُهم ما لم يَسألوا، فذلك قوله: وَلَدَيْنا مَزِيدٌ. وللمفسرين في المراد بهذا المزيد ثلاثة أقوال:

(١٣٤١) أحدها: أنه النّظر إلى الله عزّ وجلّ روى عليّ رضي الله عنه عن النبي عليه السلام في قوله: «ولدينا مَزيدٌ» قال: «يتجلَّى لهم» . وقال أنس بن مالك في قوله: «ولدينا مزيد» : يتجلَّى لهم الرب تعالى في كل جمعة.

(١٣٤٢) والثاني: أن السحاب يَمُرَّ بأهل الجنة، فيمطرهم الحورَ، فتقول الحور: نحن اللواتي قال الله عزّ وجل: «ولدينا مزيد» ، حكاه الزجاج.

والثالث: أن الزِّيادة على ما تمنَّوه وسألوا ممّا لم تسمع به أذن ولم يخطُر على قلب بشر، ذكره أبو سليمان الدمشقي.

ثم خوَّف كفار مكة بما بعد هذا إلى قوله: فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ قرأ الجمهور «فنَقَّبوا» بفتح النون والقاف مع تشديدها. وقرأ أُبيُّ بن كعب، وابن عباس، والحسن، وابن السميفع، ويحيى بن يعمر كذلك، إلا أنهم كسروا القاف على جهة الأمر تهدُّداً. وقرأ عمر بن الخطاب، وعمر بن عبد العزيز، وقتادة، وابن أبي عبلة، وعبيد عن أبي عمرو: «فنَقَبوا» بفتح القاف وتخفيفها. قال الفراء: ومعنى «فنقَّبوا» : ساروا في البلاد، فهل كان لهم من الموت مِنْ مَحِيصٍ فأُضمرت «كان» هاهنا، كقوله:

أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ «٣» أي: فلم يكن لهم ناصر. ومن قرأ «فنَقِّبوا» بكسر القاف، فإنه كالوعيد والمعنى: اذهبوا في البلاد وجيئوا فهل من الموت مِن مَحيص؟! وقال الزجاج: «نَقِّبوا» : طوِّقوا وفتِّشوا، فلم تَرَوا مَحيصاً من الموت. قال امرؤ القيس:

لقَدْ نَقَّبْتُ في الآفاقِ حتَّى ... رَضِيتُ مِنَ الغنيمة بالإياب


لم أقف عليه، وهو غريب جدا.
لم أره بهذا اللفظ، وصدره ليس له أصل، وأما عجزه فقد ورد مرفوعا بسند ضعيف. أخرجه أبو يعلى ١٣٨٦ وأحمد ٣/ ٧٥ كلاهما عن أبي سعيد مرفوعا: «إن الرجل ليتكئ في الجنة مسيرة سبعين سنة قبل أن يتحول ثم تأتيه امرأة فتضرب على منكبيه ويسألها: من أنت؟ فتقول: أنا من المزيد ... » حسنه الهيثمي في «المجمع» ١٠/ ٤١٩ والسيوطي في «الدر» ٦/ ١٢٧ مع أنّ فيه ابن لهيعة ضعيف، وشيخه درّاج في روايته عن أبي الهيثم ضعيف وهذا منها. وانظر «تفسير القرطبي» ٥٦٤٥ بتخريجنا.

<<  <  ج: ص:  >  >>