للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن من قَدَر على خَلْق ما شاهدتموه من أصل وجودكم كان أقدَرَ على خَلْق ما غاب عنكم من إعادتكم.

قوله عزّ وجلّ: نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وقرأ ابن كثير: «قَدَرْنا» بتخفيف الدال. وفي معنى الكلام قولان: أحدهما: قضينا عليكم بالموت. والثاني: سوّينا بينكم في الموت. وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٦٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ قال الزجاج: المعنى: إن أردنا أن نخلق خلقا غيركم لا يسبقنا سابق، ولا يفوتنا ذلك.

قال ابن قتيبة: لسنا مغلوبين على أن لم نستبدل بكم أمثالكم. قوله عزّ وجلّ: وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ

وفيه أربعة أقوال: أحدها: نبدِّل صفاتكم ونجعلكم قردة وخنازير كما فعلنا بمن كان قبلكم.

قاله الحسن. والثاني: ننشئكم في حواصل طير سود تكون ب «برهوت» كأنها الخطاطيف، قاله سعيد بن المسيب. والثالث: نخلقكم في أيّ خَلْق شئنا، قاله مجاهد. والرابع: نخلقكم في سوى خلقكم، قاله السدي. قال مقاتل: نخلقكم سوى خلقكم في ما لا تعلمون من الصّور. قوله عزّ وجلّ: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولى وهي ابتداء خَلقكم من نُطفة وعَلَقة فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ أي: فهلاّ تعتبرون فتعلموا قدرة الله فتقرّوا بالبعث.

[سورة الواقعة (٥٦) : الآيات ٦٣ الى ٧٤]

أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (٦٣) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ (٦٤) لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ (٦٥) إِنَّا لَمُغْرَمُونَ (٦٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ (٦٧)

أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ (٦٨) أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ (٦٩) لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ (٧٠) أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (٧٢)

نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ (٧٣) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٧٤)

قوله عزّ وجلّ: أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أي: ما تعملون في الأرض من إثارتها، وإلقاء البذر فيها، أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أي: تُنبِتونه؟! وقد نبَّه هذا الكلام على أشياء منها إحياء الموتى، ومنها الامتنان بإخراج القُوت، ومنها القدرة العظيمة الدالة على التوحيد.

قوله عزّ وجلّ: لَجَعَلْناهُ يعني الزرع حُطاماً قال عطاء: تبناً لا قمح فيه. وقال الزجاج:

أبطلْناه حتى يكون منحطما لا حنطة فيه، ولا شيء. قوله عزّ وجلّ: فَظَلْتُمْ وقرأ الشعبي وابو العالية وابن أبي عبلة: «فظِلْتُم» بكسر الظاء وقد بيناه في قوله: ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً «١» . قوله عزّ وجلّ:

تَفَكَّهُونَ قرأ أُبيُّ بن كعب وابن السميفع والقاسم بن محمد وعروة: «تَفَكَّنونَ» بالنون. وفي المعنى أربعة أقوال: أحدها: تعجّبون، قاله ابن عباس ومجاهد وعطاء ومقاتل. قال الفراء: تتعجَّبون ممّا نَزَل بكم في زرعكم. والثاني: تَنَدَّمون، قاله الحسن والزجاج. وعن قتادة كالقولين. قال ابن قتيبة: يقال «تفكَّهون» : تَنَدَّمون، ومثلها: تفكّنون، وهي لغة لعكل. والثالث: تلاومون، قاله عكرمة. والرابع:

تتفجَّعون، قاله ابن زيد.

قوله عزّ وجلّ: إِنَّا لَمُغْرَمُونَ قال الزجاج: أي: تقولون: قد غَرِمْنا وذهب زرعنا. وقال ابن قتيبة: «لَمُغْرَمونَ» أي: لمعذّبون. قوله عزّ وجلّ: بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ أي: حُرِمْنا ما كنّا نطلب من الرّيع في الزرع. وقد نبَّه بهذا على أمرين: أحدهما: إنعامه عليهم إذ لم يجعل زرعهم حطاما. والثاني: قدرته


(١) طه: ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>