للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أنهم المنافقون، قاله مقاتل. والثاني: بنو النّضير، قاله الفرّاء.

قوله عزّ وجلّ: لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً فيهم قولان: أحدهما: أنهم اليهود، قاله الأكثرون.

والثاني: اليهود والمنافقون، قاله ابو سليمان الدمشقي. والمعنى: أنهم لا يبرزون لحربكم، إنما يقاتلون مُتَحَصِّنين فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وأبان «من وراء جدار» بألف.

وقرأ نافع، وابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي «جُدُر» بضم الجيم والدَّال. وقرأ أبو بكر الصِّدِّيق، وابن أبي عبلة «جَدَر» بفتح الجيم والدال جميعاً، وقرأ عمر بن الخطاب، ومعاوية، وعاصم الجحدري «جَدْر» بفتح الجيم وسكون الدال. وقرأ علي بن أبي طالب، وأبو عبد الرحمن السلمي، وعكرمة، والحسن، وابن سيرين، وابن يعمر «جُدْر» بضم الجيم وإِسكان الدال بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ وفيه قولان: أحدهما: عداوة بعضهم لبعض شديدة. والثاني: أنّ بأسهم بينهم فيما وراء الحصون شديد، وإذا خرجوا إِليكم فهم أجبن خلق الله.

قوله عزّ وجلّ: تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً فيهم قولان: أحدهما: أنهم اليهود والمنافقون، قاله مقاتل.

والثاني: بنو النضير، قاله الفرّاء. قوله عزّ وجلّ: وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى قال الزجاج: أي هم مختلفون لا تستوي قلوبهم، ولا يتعاونون بنيِّات مجتمعة، لأن الله تعالى ناصر حزبه، وخاذل أعدائه. قوله عزّ وجلّ: ذلِكَ يعني ذلك الاختلاف بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ ما فيه الحظُّ لهم.

ثم ضرب لليهود مثلا، فقال عزّ وجلّ: كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً وفيه ثلاثة أقوال: أحدها:

أنهم بنو قينقاع. وقال ابن عباس: كانوا بنو قينقاع يهودا، وكانوا وادعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، ثم غدروا، فحصرهم، ثم نزلوا على حكمه أن له أموالهم، ولهم النساء والذُّرِّية. فالمعنى: مثل بني النضير فيما فعل بهم كبني قينقاع. والثاني: أنهم كفار قريش يوم بدر، قاله مجاهد. والمعنى: مَثَلُ هؤلاء اليهود كمثلِ المشركين الذين كانوا من قبلهم قريباً، وذلك لقرب غزوة بني النضير من غزاة بدر. والثالث: أنهم بنو قريظة، فالمعنى: مَثَلُ بني النضير كبني قريظة ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ بأن قُتلت مقاتلتهم، وسُبِيَتْ ذراريهم، وهؤلاء أُجلوا عن ديارهم فذاقوا وبال أمرهم وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ في الآخرة. ثم ضرب لليهود والمنافقين مثلا فقال عزّ وجلّ: كَمَثَلِ الشَّيْطانِ. والمعنى: مثل المنافقين في غرورهم بني النضير، وقولهم: لئن أُخرجتم لنخرجنَّ معكم، ولئن قوتلتم لننصرنكم، كمثل الشيطان إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ وفيه قولان «١» : أحدهما: أنه مَثَلٌ ضربه الله تعالى للكافر في طاعة الشيطان، وهو عام في جميع الناس، قاله مجاهد. والثاني: أنه مثل ضربه الله تعالى لشخص معين، وعلى هذا جمهور المفسرين، وهذا شرح قصته:

ذكر أهل التفسير أن عابداً من بني إسرائيل كان يقال له: برصيصا تعبَّد في صومعةٍ له أربعين سنة لا يقدر عليه الشيطان، فجمع إبليس يوماً مردة الشياطين، فقال: ألا أحدٌ منكم يكفيني برصيصا، فقال


(١) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٤٠٢: وقد ذكر بعضهم هاهنا- قصة لبعض عباد بني إسرائيل هي كالمثال لهذا المثال، لا أنها المرادة وحدها بالمثل، بل هي منه مع غيرها من الوقائع المشاكلة لها.
- وقال الشوكاني رحمه الله في «تفسيره» ٥/ ٢٤٥: وهذا لا يدل على أن هذا الإنسان- المذكور في القصة الآتية- هو المقصود بالآية بل يدل على أنه من جملة من تصدق عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>