للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله عزّ وجلّ: سَخَّرَها عَلَيْهِمْ أي أرسلها وسلَّطها. والتسخير: استعمال الشيء بالاقتدار.

وفي قوله عزّ وجلّ: حُسُوماً ثلاثة أقوال «١» : أحدها: تباعاً، قاله ابن عباس. قال الفراء:

الحسوم: التِّباع، يقال في الشيء إذا تتابع فلم ينقطع أوله عن آخره: حسوم. وإِنما أُخِذَ- والله أعلم- من حَسْمِ الدَّاءِ: إذا كُوي صاحبُه، لأنه يحمى ثم يكوى، ثم يتابع الكي عليه. والثاني: كاملة، قاله الضحاك. فيكون المعنى: أنها حسمت الليالي والأيام فاستوفتها على الكمال، لأنها ظهرت مع طلوع الشمس، وذهبت مع غروبها. قال مقاتل: هاجت الريح غُدْوَةً، وسكنت بالعَشِيِّ في اليوم الثامن، وقبضت أرواحهم في ذلك اليوم، ثم بعث الله طيراً أسود فالتقطهم حتى ألقاهم في البحر. والثالث: أنها حسمتهم، فلم تبق منهم أحداً، أي: أذهبتهم وأفنتهم، هذا قول ابن زيد، قال الزّجّاج: وهذا هو الذي توجبه اللغة.

قوله عزّ وجلّ: فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها أي: في تلك الليالي والأيام صَرْعى وهو جمع صريع، لأنهم صرعوا بموتهم كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ أي: أصول نخل خاوِيَةٍ أي: بالية. وقد بيَّنَّا هذا في سورة القمر «٢» .

قوله عزّ وجلّ: فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: من بقاءٍ، قاله الفراء. والثاني:

من بقية، قاله أبو عبيدة. قال: وهو مصدر كالطاغية. والثالث: هل ترى لهم من أثر؟ قاله ابن قتيبة، قوله: وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ قرأ أبو عمرو، ويعقوب، والكسائي، وأبان: بكسر القاف، وفتح الباء.

والباقون: بفتح القاف، وإسكان الباء. فمن كسر القاف أراد به: من يليه ويَحفّ به من جنوده وأتباعه.

ومن فتحها أراد من كان قبله من الأمم الكافرة. وفي «المؤتفكات» ثلاثة أقوال: أحدها: قرى قوم لوط.

والمعنى: وأهل المؤتفكات، قاله الأكثرون. والثاني: أنهم الذين ائتفكوا بذنوبهم، أي: هلكوا بالذّنوب التي أعظمها الإفك، وهو الكذب، قاله الزجاج. والثالث: أنه قارون وقومه، حكاه الماوردي.

قوله عزّ وجلّ: بِالْخاطِئَةِ قال ابن قتيبة: أي: بالذنوب، وقال الزجاج: الخاطئة: الخطأ العظيم فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ أي: كذَّبوا رسلهم فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً أي: زائدة على الأخذات، قوله: إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ أي: تجاوز حدَّه حتى علا على كل شيء في زمن نوح حَمَلْناكُمْ يعني: حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم فِي الْجارِيَةِ وهي: السفينة التي تجري في الماء لِنَجْعَلَها

أي: لنجعل تلك الفَعْلةَ التي فعلنا من إغراق قوم نوح، ونجاة من حملنا معه تَذْكِرَةً

أي: عبرةً، وموعظةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ

أي


(١) قال الزمخشري رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٦٠٢- ٦٠٣: قوله تعالى: وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً. والصرصر: الشديدة الصوت لها صرصرة. وقيل الباردة من الصرّ، كأنها التي كرر فيها البرد وكثر: فهي تحرق لشدة بردها عاتِيَةٍ شديدة العصف والعتو استعارة، أو عتت على عاد، فما قدروا على ردّها بحيلة، من استتار ببناء، أو لياذ بجبل، أو اختفاء في حفرة. فإنها كانت تنزعهم من مكامنهم وتهلكهم والحسوم لا يخلو من أن يكون حاسم كشهود وقعود أو مصدرا كالشكور والكفور، فإن كان جمعا فمعنى قوله: حُسُوماً نحسات حسمت كل خير واستأصلت كل بركة، أو متتابعة هبوب الرياح: ما خفتت ساعة حتى أتت عليهم تمثيلا لتتابعها بتتابع فعل الحاسم في إعادة الكي على الداء.
وتحسم حسوما: تستأصل استئصالا.
(٢) القمر: ٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>