للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المناظر والأخلاق، من طويل، وقصير، وغير ذلك، ثم قرّرهم، فقال عزّ وجلّ: أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً وقرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة «طباقٍ» بتنوين القاف، وكسرها من غير ألف. وقد بيَّنَّا هذا في سورة الملك «١» .

قوله عزّ وجلّ: وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً فيه قولان «٢» : أحدهما: أن وجهَ القمر قِبَل السموات، وظهرَه قِبَل الأرض، يضيء لأهل السموات، كما يضيء لأهل الأرض، وكذلك الشمس، هذا قول عبد الله بن عمر. والثاني: أن القمر في السماء الدنيا. وإنما قيل: «فيهن» لأنهن كالشيء الواحد، ذكره الأخفش والزجاج، وغيرهما. وهذا كما تقول: أتيت بني تميم، وإنما أتيت بعضهم، وركبت في السّفن، قوله: وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً يستضيء بها العالم وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ يعني: أن مبتدأ خلقكم من الأرض، وهو آدم نَباتاً قال الخليل: معناه: فنبتُّم نباتاً، وقال الزجاج: «نباتاً» محمول في المصدر على المعنى، لأنّ المعنى أنبتكم: جعلكم تنبتون نباتاً. قال ابن قتيبة: هذا مما جاء فيه المصدر على غير المصدر، لأنه جاء على نبت، ومثله وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا «٣» فجاء على «بَتَّل» .

قال الشاعر:

وَخَيْرُ الأَمْرِ ما استقبلت منه ... وليس بِأَنْ تَتَبَّعَهُ اتِّباعاً «٤»

فجاء على اتَّبَعْتُ.

وقال الآخر:

وإن شئتم تعاودنا عواداً

فجاء على «عاودنا» ، وإنما تجيء المصادر مخالفة للأفعال، لأن الأفعال وإن اختلفت أبنيتها، واحدة في المعنى.

قوله عزّ وجلّ: سُبُلًا فِجاجاً قال الفراء: هي الطرق الواسعة.

قوله عزّ وجلّ: وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ قرأ أهل المدينة، وابن عامر، وعاصم «ووَلَده» بفتح اللام والواو. وقرأ الباقون «وُلْده» بضم الواو، وسكون اللام. قال الزجاج: وهما بمعنى واحد، مثل العَرَب، والعُرْب، والعَجَم، والعُجْم. وقرأ الحسن، وأبو العالية، وابن يعمر، والجحدري:

«وَوِلْده» بكسر الواو، وإسكان اللام. قال المفسرون: المعنى: أن الأتباع، والفقراء اتّبعوا رأي الرؤساء والكبراء.


(١) الملك: ٣.
(٢) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٥٠٢: المقصود أن الله سبحانه خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً أي فاوت بينهما في الاستنارة، فجعل كلا منهما أنموذجا على حدة، ليعرف الليل والنهار بمطلع الشمس ومغيبها، وقدّر القمر منازل وبروجا وفاوت نوره، فتارة يزداد حتى يتناهى ثم يشرع في النقص حتى يستتر، ليدل على مضي الشهور والأعوام. كما قال: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.
(٣) المزمل: ٨.
(٤) البيت للقطامي، وهو في ديوانه ٣٥ و «اللسان» - تبع-.

<<  <  ج: ص:  >  >>