للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أيها المُزَّمِّل. وقيل: أريد به مُتَزَمِّل النبوة. قال عكرمة في معنى هذه الآية: زُمِّلْتَ هذا الأمر، فَقُمْ به.

وقيل: إِنما لم يخاطب بالنبي والرسول هاهنا، لأنه لم يكن بعد قد بلَّغ، وإنما كان في بدء الوحي.

قوله عزّ وجلّ: قُمِ اللَّيْلَ أي: للصلاة. وكان قيام الليل فرضاً عليه إِلَّا قَلِيلًا (٢) نِصْفَهُ هذا بدل من الليل، كما تقول: ضربت زيداً رأسَه. فإنما ذكرت زيداً لتوكيد الكلام، لأنه أوكد من قولك:

ضربت رأس زيد. والمعنى: قم من الليل النّصف إلّا قليلا، وهو قوله: أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أي: من النصف أَوْ زِدْ عَلَيْهِ أي: على النصف. قال المفسرون: انقص من النصف إلى الثلث، أو زد عليه إلى الثلثين، فجعل له سَعَة في مدّة قيامه، إذا لم تكن محدودة، فكان يقوم ومعه طائفة من المؤمنين فشق ذلك عليه وعليهم، فكان الرجل لا يدري كم صلى، وكم بقي من الليل، فكان يقوم الليل كلَّه مخافة أن لا يحفظ القدر الواجب فنسخ ذلك عنه وعنهم بقوله عزّ وجلّ: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ الآية، هذا مذهب جماعة من المفسرين. وقالوا: ليس في القرآن سورة نَسَخَ آخِرُها أولَها سوى هذه السورة. وذهب قوم إلى أنه نسخ قيام اللّيل في حقّه بقوله عزّ وجلّ: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ «١» ونسخ في حق المؤمنين بالصلوات الخمس وقيل: نسخ عن الأمّة، وبقي فرضه عليه أبداً. وقيل: إنما كان مفروضاً عليه دونهم. وفي مدة فرضه قولان: أحدهما: سَنَةٌ، قال ابن عباس: كان بين أول (المزَّمِّل) وآخرها سَنَةٌ. والثاني: ستة عشر شهراً، حكاه الماوردي.

قوله عزّ وجلّ: وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ قد ذكرنا الترتيل في الفرقان «٢» .

قوله عزّ وجلّ: إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا وهو القرآن. وفي معنى ثِقَله ستة أقوال «٣» :

(١٤٩٤) أحدها: أنه كان يثقُل عليه إذا أُوحي إليه، وهذا قول عائشة رضي الله عنها قالت: لقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد، فيفصم عنه، وإِن جبينه ليتفصّد عرقاً.

والثاني: أن العمل به ثقيل في فروضه وأحكامه، قاله الحسن، وقتادة. والثالث: أنه يثقل في


صحيح. وهو قطعة من حديث عائشة في خبر مطول.
أخرجه البخاري ٢ والترمذي ٣٦٣٨ والنسائي ٢/ ١٤٦- ١٤٧ وأحمد ٦/ ٢٥٧ والبيهقي في «الأسماء والصفات» ٤٣٧ وفي «الدلائل» ٧/ ٥٢- ٥٣ وأبو نعيم في «الدلائل» ١/ ٢٧٩ من طرق عن مالك. وأخرجه مالك ١/ ٢٠٢- ٢٠٣ والبغوي في «شرح السنة» ٣٦٣١ عن هشام بن عروة به. وأخرجه البخاري ٣٢١٥ ومسلم ٢٣٣٣ وأحمد ٦/ ١٥٨ والبيهقي في «الأسماء» ٤٢٦ والحميدي ٦/ ٢٥ من طرق عن هشام بن عروة به.

<<  <  ج: ص:  >  >>