للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي قوله عزّ وجلّ: كُوِّرَتْ أربعة أقوال: أحدها: أظلمت، رواه الوالبي عن ابن عباس، وكذلك قال الفراء: ذهب ضوؤها، وهذا قول قتادة، ومقاتل. والثاني: ذَهَبَتْ، رواه عطية عن ابن عباس، وكذلك قال مجاهد: اضمحلَّتْ. والثالث: غُوِّرَتْ، روي عن ابن عباس، وسعيد بن جبير، وابن الأنباري، وهذا من قول الناس بالفارسيّة: كور بكرد. وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال:

هو بالفارسيّة كور بور.

والرابع: أنها تكوّر مثل العمامة، فتلفُّ وتمحى، قاله أبو عبيد. قال الزجاج: ومعنى «كُوِّرت» جمع ضوؤها، ولُفَّتْ كما تلفّ العمامة. يقال: كَوَّرْتُ العمامة على رأسي أُكوِّرُها: إذا لَفَفْتَها. قال المفسرون: تُجمع الشمس بعضُها إلى بعض، ثم تُلَفُّ ويرمى بها في البحر. وقيل: في النار. وقيل:

تعاد إلى ما خلقت منه.

قوله عزّ وجلّ: وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ أي: تناثرت، وتهافتت. يقال: انكدر الطائر في الهواء: إذا انقضَّ وَإِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ عن وجه الأرض، واستوت مع الأرض وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ قال المفسرون وأهل اللغة: النوق الحوامل، وهي التي أتى عليها في الحمل عشرة أشهر فقيل لها: العشار لذلك، وذلك الوقت أَحْسَنُ زَمَانِ حَمْلِها، وهي تضع إذا وَضَعَتْ لتمامٍ في سنة، فهي أنفس ما للعرب عندهم، فلا يعطلونها، إلا لإتيان ما يَشْغَلهم عنها، وإنما خوطبت العرب بأمر العشار، لأن أكثر عيشهم ومالهم من الإبل، ومعنى «عُطِّلت» سُيِّبَتْ وأُهْمِلَتْ، لإشتغالهم عنها بأهوال القيامة.

قوله تعالى: وَإِذَا الْوُحُوشُ يعني: دوابَّ البرّ حُشِرَتْ وفيه قولان: أحدهما: ماتت، قاله ابن عباس. والثاني: جمعت إلى يوم القيامة، قاله السدي. وقد زدنا هذا شرحاً في الأنعام «١» .

قوله عزّ وجلّ: وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو «سجرت» بتخفيف الميم، وقرأ الباقون بتشديدها. وفي المعنى ثلاثة أقوال: أحدها: أُوقِدَتْ فاشتعلت ناراً، قاله علي وابن عباس.

والثاني: يبست، قاله الحسن. والثالث: ملئت بأن صارت بحراً واحداً، وكثر ماؤها، قاله ابن السّائب والفراء، وابن قتيبة.

قوله عزّ وجلّ: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ فيه ثلاثة أقوال «٢» : أحدها: قرنت بأشكالها. قاله عمر رضي الله عنه، الصالح مع الصالح في الجنة، والفاجر مع الفاجر في النار، وهذا قول الحسن، وقتادة.

والثاني: رُدَّت الأرواح إلى الأجساد، فَزُوِّجَت بها، قاله الشعبي. وعن عكرمة كالقولين. والثالث:

زُوِّجت أنفس المؤمنين بالحور العين، وأنفس الكافرين بالشياطين، قاله عطاء، ومقاتل.

قوله عزّ وجلّ: وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ قال اللغويون: الموؤودة: البنت تُدْفَن وهي حَيَّةٌ، وكان هذا من فعل الجاهلية. يقال: وَأَدَ وَلَدَهُ، أي: دفنه حياً. قال الفرزدق:

ومنّا الّذي منع الوائدات ... فأحيا الوئيد فلم يؤاد

يعني: صعصعة بن صوحان، وهو جَدّ الفرزدق. قال الزّجّاج: ومعنى سؤالها تبكيت قاتلها في


(١) الأنعام: ١١١.
(٢) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٥٦٣: أي جمع كل شكل إلى نظيره، كقوله: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْواجَهُمْ، وعن مجاهد قال: الأمثال من الناس جمع بينهم، واختاره ابن جرير، وهو الصحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>