للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمنازل، كسير الشمس والقمر، ثم تَخْنُس، أي: ترجع، بينا يرى أحدها في آخر البروج كَرَّ راجعاً إلى أوله، وسماها كُنَّساً، لأنها تكنس، أي: تسير كما تكنس الظباء. وقال الزّجّاج: تخنس، أي: تغيب، وكذلك تكنس تدخل في كناسها، أي: تغيب في المواضع التي تغيب فيها. وإذا كان المراد الظّباء فهي تدخل الكناس، وهو الغصن من أغصان الشجر. ووقف يعقوب على «الجواري» بالياء.

قوله عزّ وجلّ: وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ فيه قولان: أحدهما: ولَّى، قاله ابن عباس، وابن زيد، والفراء. والثاني: أقبل، قاله ابن جبير، وقتادة. قال الزجاج: يقال: عسعس الليل: إذا أقبل.

وعسعس: إذا أدبر. واستدل من قال: إن المراد: إدباره ب قوله عزّ وجلّ: وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ وأنشد أبو عبيدة لعلقمة بن قرط:

حتى إذا الصُّبْحُ لها تَنَفَّسا ... وانجاب عنها ليلها وعسعسا

وفي قوله عزّ وجلّ: تَنَفَّسَ قولان: أحدهما: أنه طلوع الفجر، قاله عليّ رضي الله عنه وقتادة.

والثاني: طلوع الشمس، قاله الضّحّاك. وقال الزجاج: معناه: إذا امتد حتى يصير نهاراً بَيِّناً. وجواب القسم في قوله: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ وما بعده قولُه: إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ يعني: أن القرآن نزل به جبريل. وقد بيَّنَّا هذا في الحاقة «١» . ثم وصف جبريل ب قوله عزّ وجلّ: ذِي قُوَّةٍ وهو كقوله عزّ وجلّ:

ذُو مِرَّةٍ وقد شرحناه في النّجم «٢» ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ يعني: في المنزلة مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ أي: في السموات تطيعه الملائكة. فَمِنْ طَاعَةِ الملائكة له: أنه أَمَرَ خازن الجنة ليلة المعراج حتى فتحها لمحمّد صلّى الله عليه وسلم فدخلها ورأى ما فيها، وأمر خازن جهنم ففتَح له عنها حتى نظر إليها. وقرأ أُبَيُّ بن كعب، وابن مسعود، وأبو حيوة «ثم أمين» بضم الثاء. ومعنى «أَمين» على وحي الله ورسالاته. وقال أبو صالح: أمين على أن يدخل سبعين سرادقا من نور بغير إذن.

قوله عزّ وجلّ: وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ يعني محمّدا صلّى الله عليه وسلم، والخطاب لأهل مكة. قال الزجاج:

وهذا أيضاً من جواب القسم، وذلك أنه أقسم أن القرآن نزل به جبريل، وأن محمداً ليس بمجنون كما يقول أهل مكة.

قوله تعالى: وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ قال المفسرون: رأى محمّد صلّى الله عليه وسلم جبريل على صورته بالأفق.

وقد ذكرنا هذا في سورة النّجم «٣» .

قوله عزّ وجلّ: وَما هُوَ يعني: محمّدا صلّى الله عليه وسلم عَلَى الْغَيْبِ أي: على خبر السماء الغائب عن أهل الأرض بِضَنِينٍ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي، ورويس «بظنين» بالظاء، وقرأ الباقون بالضاد.

قال ابن قتيبة: من قرأ بالظاء، فالمعنى: ما هو بمُتَّهم على ما يخبر به عن الله، ومن قرأ بالضاد، فالمعنى: ليس ببخيل عليكم بعلم ما غابَ عنكم مما ينفعكم. وقال غيره: ما يكتمه كما يكتم الكاهن ليأخذ الأجر عليه.

قوله عزّ وجلّ: وَما هُوَ يعني: القرآن بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ قال مقاتل: وذلك أن كفار مكة قالوا: إنما يجيء به الشيطان، فيلقيه على لسان محمّد.


(١) الحاقة: ٤٠.
(٢) النجم: ٦.
(٣) تقدم في سورة النجم: ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>