للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: قال الله عزّ وجلّ: إذا ذُكِرْتُ ذُكِرْتَ معي. قال قتادة: فليس خطيب، ولا مُتَشَهِّدٌ، ولا صاحب صلاة إلا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، وهذا قول الجمهور.

والثاني: رفعنا لك ذِكْرَك بالنبوة، قاله يحيى بن سلام. والثالث: رفعنا لك ذكرك في الآخرة كما رفعناه في الدنيا، حكاه الماوردي. والرابع: رفعنا لك ذكرك عند الملائكة في السماء. والخامس: بأخذ الميثاق لك على الأنبياء، وإلزامهم الإيمان بك، والإقرار بفضلك، حكاهما الثّعلبيّ.

قوله عزّ وجلّ: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ضم سين «العُسُر» وسين «اليُسُر» أبو جعفر و «العسر» مذكور في الآيتين بلفظ التعريف. و «اليُسر» مذكور بلفظ التنكير، فدل على أن العسر واحد، واليسر اثنان. قال ابن مسعود، وابن عباس في هذه الآية: لن يغلب عُسْر يسرين. قال الفراء: العرب إذا ذَكَرَتْ نَكِرَةً ثم أعادتها بنكرة صارت اثنتين، كقولك: إذا كسبت درهماً فأنفق درهماً، فالثاني غير الأول، وإذا أعادتها معرفة، فهي من قولك: إذا كسبت درهماً فأنفق الدرهم، فالثاني هو الأول. ونحو هذا قال الزجاج:

ذَكَرَ العُسْر بالألف واللام، ثم ثَنَّى ذِكْرَه، فصار المعنى: إن مع العسر يسرين. وقال الحسين بن يحيى الجرجاني- ويقال له: صاحب النظم-: معنى الكلام: لا يحزنك ما يُعَيِّرك به المشركون من الفقر «فإن مع العسر يسراً» عاجلاً في الدنيا، فأنجزه بما وعده الله، بما فتح عليه، ثم ابتدأ فصلاً آخر فقال: «إن مع العسر يسراً» والدليل على ابتدائه تَعرِّيه من الفاء والواو، وهو وعد لجميع المؤمنين أي أن مع عسر المؤمنين يسراً في الآخرة، فمعنى قولهم: لن يغلب عسر يسرين: لن يغلب عسر الدنيا اليسر الذي وعده الله المؤمنين في الدنيا، واليسر الذي وعدهم في الآخرة، إنما يغلب أحدهما، وهو يسر الدنيا.

فأما يسر الآخرة، فدائم لا ينقطع، كقوله صلّى الله عليه وسلم:

(١٥٤٤) «شهرا عيد لا ينقصان» ، أي: لا يجتمعان في النقص. وحكي عن العتبي قال: كنت ذات ليلة في البادية بحالة من الغَمِّ، فأُلْقِيَ في رَوعي بيت من الشعر، فقلت:

أرى الموت لمن أصبح ... مَغْمُوماً لَهُ أَرُوَحْ

فلما جن الليل سمعت هاتفا يهتف:

ألا يا أيّها المرء الذي ... الهمُّ بِه بَرَّحْ

وَقَدْ أَنْشَدَ بَيْتَاً لَمْ ... يزل في فكره يسبح

إذا اشتَدَّ بك العُسْرُ ... فَفَكِّر في «أَلَمْ نَشْرَحْ»

فَعُسْرٌ بَيْنَ يُسْرَيْنِ ... إِذا أَبْصَرْتَهُ فَافْرَحْ

فحفظت الأبيات وفرّج الله غمّي.


صحيح. أخرجه البخاري ١٩١٢ ومسلم ١٠٨٩ وأبو داود ٢٣٢٣ والترمذي ٦٩٢ وابن ماجة ١٦٥٩ وأحمد ٥/ ٣٨ و ٤٧ و ٤٨ والطيالسي ٨٦٣ والطحاوي ٢/ ٥٨ وابن حبان ٣٢٥ والبيهقي ٤/ ٢٥٠ من طرق عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه مرفوعا.

<<  <  ج: ص:  >  >>