للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحرمه، وإن يخلّ بينه وبين ذلك، فو الله ما لنا به قوة. قال: فانطلق معي إلى الملك، فلما دخل عبد المطلب على أبرهة أعظمه، وأكرمه، ثم قال لترجمانه: قل له: ما حاجتك إلى الملك؟ فقال له الترجمان، فقال: حاجتي أن يردَّ عليَّ مائتي بعير أصابها. فقال أبرهة لترجمانه: قل له: لقد كنت أعجبتني حين رأيتك، ولقد زهدت الآن فيك، حين جئت إلى بيت هو دينك ودين آبائك لأهدمنّه، فلم تكلِّمني فيه، وكلَّمتني لإبل أصبتُها. فقال عبد المطلب: أنا ربُّ هذه الإبل، ولهذا البيت رَبُّ سيمنعه.

فأمر بإبله فَرُدَّت عليه، فخرج، وأخبر قريشاً، وأمرهم أن يتفرَّقوا في الشعاب ورؤوس الجبال خوفاً من مَعَرَّة الجيش إذا دخل، ففعلوا، فأتى عبد المطلب الكعبة، فأخذ بحلقة الباب، وجعل يقول:

يَا رَبِّ لاَ أَرْجُو لهم سِوَاكَا ... يَا رَبِّ فَامْنَعْ مِنْهُمُ حِمَاكَا

إنَّ عَدُوَّ البيت مَنْ عَادَاكا ... إمْنَعْهُمُ أن يُخْرِبُوا قُرَاكا

وقال أيضاً:

لاَ هُمَّ إنَّ المرء يمنع ... رحله وحلاله فامنع حلالك

لا يغلبنّ صليبهم ... ومحالهم عدوا مِحَالَكْ

جَرُّوا جميعَ بلادهم ... والفيلَ كي يَسْبُوا عِيَالَكْ

عَمِدُوا حِمَاك بكيدِهم ... جهلاً وما رَقَبُوا جلالك

إن كنت تاركهم وكع ... بتنا فأمر ما بدا لك

ثم إن أبرهة أصبح متهيئاً للدخول، فبرك الفيل، فبعثوه فأبى، فضربوه، فأبى، فوجَّهوه إلى اليمن راجعاً، فقام يهرول، ووجَّهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، وإلى المشرق ففعل مثل ذلك، فوجَّهوه إلى الحرم، فأبى، فأرسل الله طيراً من البحر.

واختلفوا في صفتها، فقال ابن عباس: كانت لهم خراطيم كخراطيم الطير، وأكفّ كأكفّ الكلاب. وقال عكرمة: كانت لها رؤوس كرؤوس السباع. وقال ابن إسحاق: كانت أمثال الخطاطيف.

واختلفوا في ألوانِها على ثلاثة أقوال: أحدها: أنها كانت خضراء، قاله عكرمة، وسعيد بن جبير.

والثاني: سوداء، قاله عبيد بن عمير. والثالث: بيضاء، قاله قتادة. وقال: وكان مع كل طير ثلاثة أحجار، حَجَرانِ في رجليه، وحجر في منقاره.

واختلفوا في صفة الحجارة فقال بعضهم: كانت كأمثال الحمص والعدس. وقال عبيد بن عمير:

بل كان الحجر كرأس الرجل وكالجمل، فلما غشيت القوم أرسلتها عليهم، فلم تصب تلك الحجارة أحداً إلا هلك. وكان الحجر يقع على رأس الرجل، فيخرج من دبره. وقيل: كان على كل حجر اسم الذي وقع عليه، فهلكوا ولم يدخلوا الحرم، وبعث الله على أبرهة داء في جسده، فتساقطت أنامله، وانصدع صدره قطعتين عن قلبه، فهلك، ورأى أهل مكّة الطير قد أقبلت من ناحية البحر، فقال عبد المطلب: إن هذه الطير غريبة. ثم إن عبد المطلب بعث ابنه عبد الله على فرس ينظر إلى القوم، فرجع يركض وهو يقول: هلك القوم جميعاً، فخرج عبد المطلب وأصحابه فغنموا أموالهم. وقيل: لم ينج من القوم إلّا أبو يكسوم، فسار، وطائر يطير على رأسه من فوقه، ولا يشعر به، حتى دخل على النجاشي، فأخبره بما أصاب القوم، فلما أتم كلامه رماه الطائر فمات، فأرى الله تعالى النجاشي كيف

<<  <  ج: ص:  >  >>