للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«من» ولكنه جعل مقابلا لقوله عزّ وجلّ: ما تَعْبُدُونَ وهي الأصنام.

وفي تكرار الكلام قولان «١» : أحدهما: أنها لتأكيد الأمر، وحسم أطماعهم فيه، قاله الفراء. وقد أنعمنا شرح هذا في سورة الرحمن «٢» . والثاني: أن المعنى: لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ في حالي هذه وَلا أَنْتُمْ في حالكم هذه، عابِدُونَ ما أَعْبُدُ. وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ فيما أستقبل، وكذلك أنتم، فنفى عنه وعنهم ذلك في الحال والاستقبال، وهذا في قوم بأعيانهم، أعلمه الله عزّ وجلّ أنهم لا يؤمنون، كما ذكرنا عن مقاتل، فلا يكون حينئذ تكرارا، هذا قول ثعلب، والزّجّاج. وقوله عزّ وجلّ: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ فتح ياء «وليَ» نافع، وحفص، وأبان عن عاصم. وأثبت ياء «ديني» في الحالين يعقوب. وهذا منسوخ عند المفسّرين بآية السيف.


(١) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٦٧٦: وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ، وَلا أَنْتُمْ عابِدُونَ ما أَعْبُدُ في المستقبل قاله البخاري وقيل أن ذلك تأكيد محض. وثم قول رابع، نصره أبو العباس ابن تيمية في بعض كتبه، وهو أن المراد بقوله: لا أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ نفي الفعل لأنها جملة فعلية وَلا أَنا عابِدٌ ما عَبَدْتُّمْ نفي قبوله لذلك بالكلية، لأن النفي بالجملة الاسمية آكد، فكأنه نفي الفعل ومعناه نفي الوقوع ونفي الإمكان الشرعي أيضا، وهو قول حسن. واستدل الإمام أبو عبد الله الشافعي وغيره بهذه الآية الكريمة: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ على أن الكفر كله ملة واحدة، فورث اليهود من النصارى، وبالعكس، لأن الأديان ما عدا الإسلام كلها كالشيء الواحد في البطلان.
(٢) الرحمن: ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>