للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أغمض عينيه، لئلا يرى جميع ما يكره جعل التجاوز والمساهلة في كل شيء إغماضاً. قوله تعالى:

وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ، قال الزجاج: لم يأمركم بالتصدق عن عوز، لكنه بلا أخباركم، فهو حميد على ذلك. يقال: قد غني زيد، يغنى غنى، مقصور: إذا استغنى، وقد غني القوم: إذا نزلوا في مكان يغنيهم، والمكان الذي ينزلون فيه مغنى. والغواني: النساء، قيل: إنما سمين بذلك، لأنهن غنين بجمالهن، وقيل: بأزواجهن. فأما «الحميد» فقال الخطابي: هو بمعنى المحمود، فعيل بمعنى مفعول.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٦٨]]

الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦٨)

قوله تعالى: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ، قال الزجاج: يقال: وعدته أعده وعداً وعدة وموعداً وموعدة وموعوداً، ويقال: الفَقر، والفُقر. ومعنى الكلام: يحملكم على أن تؤدّوا من الرديء، يخوفكم الفقر بإعطاء الجيد. ومعنى: يعدكم الفقر، أي: بالفقر، وحذفت الباء. قال الشاعر «١» :

أمرتُكَ الخيرَ فَافْعَلْ مَا أُمِرت بِهِ ... فقد تركتك ذا مال وذا نشبِ

وفي الفحشاء قولان: أحدهما: البخل. والثاني: المعاصي. قال ابن عباس: والله يعدكم مغفرة لفحشائكم، وفضلاً في الرّزق.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٦٩]]

يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٦٩)

قوله تعالى: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ، في المراد بهذه الحكمة أحد عشر قولاً «٢» : أحدها: أنها القرآن، قاله ابن مسعود، ومجاهد، والضحاك، ومقاتل في آخرين. والثاني: معرفة ناسخ القرآن، ومنسوخه، ومحكمه، ومتشابهه، ومقدمه، ومؤخره، ونحو ذلك، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس. والثالث: النبوة، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والرابع: الفهم في القرآن، قاله أبو العالية، وقتادة، وإبراهيم. والخامس: العلم والفقه، رواه ليث عن مجاهد. والسادس: الإصابة في القول، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد. والسابع: الورع في دين الله، قاله الحسن. والثامن: الخشية لله، قاله الربيع بن أنس. والتاسع: العقل في الدين، قاله ابن زيد. والعاشر: الفهم، قاله شريك. والحادي عشر: العلم والعمل، لا يسمى الرجل حكيماً إِلا إِذا جمعهما، قاله ابن قتيبة.

قوله تعالى: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ، قرأ يعقوب بكسر تاء «يؤت» ، ووقف عليها بهاء والمعنى:

ومن يؤته الله الحكمة. وكذلك هي في قراءة ابن مسعود بهاء بعد التاء. قوله تعالى: وَما يَذَّكَّرُ، قال الزجّاج: أي: وما يفكّر فكراً يذكر به ما قص من آيات القرآن إلا ذوو العقول. قال ابن قتيبة:

«أولو» بمعنى: ذوو، وواحد «أولو» «ذو» ، و «أولات» «ذات» .


(١) هو عمرو بن معدي كرب.
(٢) قال ابن كثير رحمه الله ١/ ٣٢٢: والصحيح أن الحكمة كما قاله الجمهور لا تختص بالنبوة بل هي أعم منها وأعلاها النبوة، والرسالة أخص، ولكن لأتباع الأنبياء حظ من الخير على سبيل التبع كما جاء في بعض الأحاديث «من حفظ القرآن فقد أدرجت النبوة بين كتفيه غير أنه لا يوحى إليه» .

<<  <  ج: ص:  >  >>