للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أنه عام في جميع المخفيات، وهو قول الأكثرين. واختلفوا: هل هذا الحكم ثابت في المؤاخذة أم منسوخ؟ على قولين: أحدهما: أنه منسوخ بقوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها، هذا قول ابن مسعود، وأبي هريرة، وابن عباس في رواية، والحسن، والشعبي، وابن سيرين، وسعيد بن جبير، وقتادة، وعطاء الخراساني، والسدي، وابن زيد، ومقاتل. والثاني: أنه ثابت في المؤاخذة على العموم، فيؤاخذ به من يشاء، ويغفره لمن يشاء، وهذا مروي عن ابن عمر، والحسن، واختاره أبو سليمان الدمشقي، والقاضي أبو يعلى. وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال: هذه الآية لم تنسخ، ولكن الله عزّ وجلّ إذا جمع الخلائق، يقول لهم: إني مخبركم بما أخفيتم في أنفسكم مما لم تطّلع عليه ملائكتي، فأما المؤمنون فيخبرهم، ويغفر لهم ما حدثوا به أنفسهم، وهو قوله تعالى: يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ، يقول: يخبركم به الله، وأما أهل الشرك والريب، فيخبرهم بما أخفوا من التكذيب وهو قوله تعالى: فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ، والأكثرون على تسكين راء «فيغفر» وباء «يعذب» منهم ابن كثير ونافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي. إنما جزموا لإتباع هذا ما قبله، وهو «يحاسبْكم» وقرأ أبو جعفر، وابن عامر، وعاصم ويعقوب: برفع الراء، والباء فيهما. فهؤلاء قطعوا الكلام عن الأول، قال ابن الأنباري: وقد ذهب قوم إلى أن المحاسبة هاهنا هي إطلاع الله العبد يوم القيامة على ما كان حدث به نفسه في الدنيا، ليعلم أنه لم يعزب عنه شيء. قال: والذي نختاره أن تكون الآية محكمة، لأن النسخ إنما يدخل على الأمر والنهي. وقد روي عن عائشة أنها قالت: أما ما أعلنت، فالله يحاسبك به، وأما ما أخفيت، فما عُجلت لك به العقوبة في الدنيا.

والقول الثاني: أنه أمر خاص في نوع من المخفيات، ولأرباب هذا القول فيه قولان: أحدهما:

أنه كتمان الشهادة، قاله ابن عباس في رواية، وعكرمة والشعبي. والثاني: أنه الشك واليقين، قاله مجاهد. فعلى هذا المذكور تكون الآية محكمة.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٨٥]]

آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٢٨٥)

قوله تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ.

(١٥١) روى البخاري ومُسلم في «صحيحيهما» من حديث أبي مسعود البدري عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «الآيتان من آخر سورة البقرة من قرأهما في ليلة كفتاه» ، قال أبو بكر النقاش: معناه: كفتاه عن قيام الليل. وقيل: إنهما نزلتا على سبب.

(١٥٢) وهو ما روى العلاء عن أبيه عن أبي هريرة، قال: لما أنزل الله تعالى


صحيح. أخرجه البخاري ٥٠٠٨ و ٥٠٠٩ و ٥٠٤٠ و ٥٠٥١ ومسلم ٨٠٧ والطيالسي ٢/ ١٠ وأحمد ٤/ ١٢١ وأبو داود ١٣٩٧ والترمذي ٢٨٨١ والنسائي في «اليوم والليلة» ٧١٩ وابن ماجة ١٣٦٩ والدارمي ١/ ٣٤٩ وابن حبان ٧٨١ والبغوي ١١٩٩ من حديث أبي مسعود البدري.
صحيح. أخرجه مسلم ١٢٥ وأحمد ٢/ ٤١٢ والطبري ٦٤٥٣ وأبو عوانة ١/ ٧٦ و ٧٧ وابن حبان ١٣٩ والواحدي في «أسباب النزول» ١٨٧ من طرق عن أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>