للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجد النساء حواسراً يَنْدبنه ... قد قُمن قبل تبلّج الأسحار «١»

[[سورة آل عمران (٣) : آية ٧٣]]

وَلا تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٧٣)

قوله تعالى: وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ، اختلف العلماء في توجيه هذه الآية على أربعة أقوال: أحدها: أن معناه: ولا تصدقوا إلا من تبع دينكم، ولا تصدقوا أن يؤتى أحدٌ مما أوتيتم من العلم، وفلق البحر، والمنِّ والسلوى، وغير ذلك، ولا تصدقوا أن يجادلوكم عند ربكم، لأنكم أصح ديناً منهم، فيكون هذا كله من كلام اليهود بينهم، وتكون اللام في «لمن» صلة، ويكون قوله تعالى:

قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ كلاماً معترضاً بين كلامين، هذا معنى قول مجاهد، والأخفش. والثاني: أن كلام اليهود تام عند قوله: لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ والباقي من قول الله تعالى، لا يعترضه شيءٌ من قولهم، وتقديره: قل يا محمد: إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم يا أمة محمد، إلاّ أن تجادلكم اليهود بالباطل، فيقولون: نحن أفضل منكم، هذا معنى قول الحسن، وسعيد بن جبير. وقال الفراء:

معنى: «أن يؤتى» : أن لا يؤتى. والثالث: أن في الكلام تقديما وتأخيرا تقديره: ولا تؤمنوا أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم، إلا من تبع دينكم، فأخرت «أن» ، وهي مقدمة في النية على مذهب العرب في التقديم والتأخير، ودخلت اللام على جهة التوكيد، كقوله تعالى: عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ «٢» أي:

ردفكم. وقال الشاعر:

ما كنتُ أخدعُ للخليل بخلَّة ... حتى يكون ليَ الخليلُ خَدوعا

أراد: ما كنت أخدع الخليل. وقال الآخر «٣» :

يذمّون للدنيا وهم يحلبونها ... أفاويقَ حتى ما يَدِرُّ لها ثُعْل

أراد: يذمون الدنيا، ذكره ابن الأنباري. والرابع: أن اللام غير زائدة، والمعنى: لا تجعلوا تصديقكم النبي في شيء مما جاء به إلا لليهود. فإنكم إن قلتم ذلك للمشركين كان عوناً لهم على تصديقه، قاله الزجاج. وقال ابن الأنباري: لا تؤمنوا أن محمداً وأصحابه على حق، إلا لمن تبع دينكم، مخافة أن يطلع على عنادكم الحق، ويحاجوكم به عند ربكم. فعلى هذا يكون معنى الكلام: لا تقروا بأن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم، وقد ذكر هذا المعنى مكي بن أبي طالب النحوي.

وقرأ ابن كثير: «أان يؤتى» بهمزتين: الأولى مخفّفة، والثانية مليّنة على الاستفهام، مثل: أانتم أعلم.

قال أبو علي: ووجهها أن «أن» في موضع رفع بالابتداء، وخبره: يصدقون به، أو يعترفون به، أو يذكرونه لغيركم، ويجوز أن يكون موضع «أن» نصباً، فيكون المعنى: أتشيعون، أو أتذكرون أن يؤتى


(١) في «اللسان» : البلجة: ضوء الصبح آخر الليل عند انصداع الفجر.
(٢) النمل: ٧٢.
(٣) هو ابن همّام السّلولي كما في «اللسان» مادة (ثعل) . والأفاويق: واحدها: فيقة: وهي اسم اللبن الذي يجتمع بين الحلبتين ويقال شاة ثعول: تحلب من ثلاثة أمكنة وأربعة للزيادة التي في الطّبي. وإنما ذكر الثّعل للمبالغة في الارتضاع. والثعل لا يدرّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>