للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَفَرَّقُوا: تتفرَّقوا، إلا أن التاء حذفت لاجتماع حرفين من جنس واحد، والمحذوفة هي الثانية، لأن الأولى دليلة على الاستقبال، فلا يجوز حذف الحرف الذي يدل على الاستقبال، وهو مجزوم بالنهي، والأصل: ولا تتفرقون، فحذفت النون، لتدلّ على الجزم.

قوله تعالى: وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، اختلفوا فيمن أُريد بهذا الكلام على قولين:

أحدهما: أنهم مشركو العرب، كان القوي يستبيح الضعيف، قاله الحسن، وقتادة.

والثاني: الأوس والخزرج، كان بينهم حرب شديد، قاله ابن إسحاق. والأعداء: جمع عدو.

قال ابن فارس: وهو من عَدَا: إِذا ظَلم.

قوله تعالى: فَأَصْبَحْتُمْ أي: صرتم. قال الزجاج: وأصل الأخ في اللغة أنه الذي مقصده مقصد أخيه، والعرب تقول: فلان يتوخى مسارّ فلان، أي: ما يسره. والشَّفا: الحرف. واعلم أن هذا مثل ضربه الله لإشرافهم على الهلاك، وقربهم من العذاب، كأنه قال: كنتم على حرف حفرةٍ من النَّار، ليس بينكم وبين الوقوع فيها إلا الموت على الكفر. قال السّدّيّ: فأنقذكم منها محمّد صلّى الله عليه وسلّم.

[[سورة آل عمران (٣) : آية ١٠٤]]

وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤)

قوله تعالى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ قال الزجاج: معنى الكلام: ولتكونوا كلكم أمة تدعون إلى الخير، وتأمرون بالمعروف، ولكن «من» هاهنا تدخل لتحض المخاطبين من سائر الأجناس، وهي مؤكدة أن الأمر للمخاطبين، ومثله: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ معناه: اجتنبوا الأوثان، فانها رِجس. ومثله قول الشاعر «١» :

أخو رغائبَ يُعطيها ويسألها ... يأبى الظُّلامَةَ منه النَّوفل الزفر

وهو النوفل الزفر. لأنه وصفه بإعطاء الرغائب. والنوفل: الكثير الإعطاء للنوافل، والزفر: الذي يحمل الأثقال. ويدل على أن الكل أُمروا بالمعروف والنهي عن المنكر قوله تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ قال: ويجوز أن يكون أمر منهم فرقة، لأن الدعاة ينبغي أن يكونوا علماء بما يدعون إليه، وليس الخلق كلهم علماء ينوب بعض الناس فيه عن بعض، كالجهاد. فأما الخير، ففيه قولان: أحدهما: أنه الإسلام، قاله مقاتل. والثاني: العمل بطاعة الله، قاله أبو سليمان الدمشقي. وأما المعروف فهو ما يعرف كل عاقل صوابه، وضده المنكر، وقيل:

المعروف ها هنا: طاعة الله، والمنكر: معصيته.

[[سورة آل عمران (٣) : آية ١٠٥]]

وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَأُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ (١٠٥)

قوله تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا فيهم قولان: أحدهما: أنهم اليهود والنصارى، قاله ابن عباس، والحسن في آخرين. والثاني: أنهم الحروريّة «٢» ، قاله أبو أمامة.


(١) هو أعشى باهلة- عامر بن الحارث- كما في «اللسان» مادة (نفل) .
(٢) حروراء: هي قرية بظاهر الكوفة وقيل على ميلين منها نزل بها الخوارج الذين خالفوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فنسبوا إليها- انظر معجم البلدان ٢/ ٢٤٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>