للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أنه الأمر، قاله ابن عباس. والثاني: الإذن نفسه، قاله مقاتل.

وقال الزجاج: ومعنى الآية: وما كانت نفس لتموت إلا بإذن الله.

قوله تعالى: كِتاباً مُؤَجَّلًا توكيد، والمعنى: كتب الله ذلك كتاباً ذا أجل. والأجل: الوقت المعلوم، ومثله في التوكيد كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ «١» ، لأنه لمّا قال: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ «٢» دلّ على أنه مرفوض، فأكّد بقوله: كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، وكذلك قوله تعالى: صُنْعَ اللَّهِ «٣» لأنه لما قال:

وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً «٤» دلّ على أنه خلق الله فأكد بقوله: صُنْعَ اللَّهِ.

قوله تعالى: وَمَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها أي: من قصد بعمله الدنيا، أُعطي منها، قليلاً كان أو كثيراً، ومن قصد الآخرة بعمله، أُعطي منها. وقال مقاتل: عنى بالآية: من ثبت يوم أحد، ومن طلب الغنيمة.

فصل: وأكثر العلماء على أن هذا الكلام محكم، وذهبت طائفة إلى نسخه بقوله تعالى: عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ والصحيح أنه محكم، لأنه لا يؤتى أحد شيئاً إلا بقدرة الله ومشيئته.

ومعنى قوله تعالى: نُؤْتِهِ مِنْها أي ما نشاء، وما قدرنا له، ولم يقل: ما يشاء هو.

[[سورة آل عمران (٣) : آية ١٤٦]]

وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (١٤٦)

قوله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قرأ الجمهور وَكَأَيِّنْ في وزن «كعيِّن» . وقرأ ابن كثير «وكائن» في وزن «كاعن» . قال الفراء: أهل الحجاز يقولون: «كأيِّن» مثل: «كعِّين» ينصبون الهمزة، ويشددون الياء.

وتميم يقولون: «وكائن» كأنه فاعل من كئت. وأنشدني الكسائي:

وكائِن ترى يسعى من الناس جاهداً ... على ابنٍ غدا منه شجاعٌ وعقربُ

وقال آخر:

وكائِن أصابت مؤمناً من مُصيبةٍ ... على الله عُقباها ومنه ثوابُها

وقال ابن قتيبة: كائن بمعنى «كم» مثل قوله تعالى: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها «٥» وفيها لغتان. «كأين» بالهمزة وتشديد الياء، و «كائن» على وزن «قائل» ، وقد قرئ بهما جميعاً في القرآن، والأكثر والأفصح تخفيفها. قال الشاعر «٦» :

وكائن أرينا الموتَ من ذي تحيَّةٍ ... إذا ما ازدرانا أو أصرَّ لمأثمِ

وقال الآخر»

:

وكائِن ترى من صامتٍ لكَ معجب ... زيادته أو نقصه في التّكلّم


(١) سورة النساء: ٢٤.
(٢) سورة النساء: ٢٤.
(٣) سورة النمل: ٨٨.
(٤) سورة النمل: ٨٨.
(٥) سورة الطلاق: ٨.
(٦) أنشده ابن فارس ولم ينسبه لقائل كما في «الصاحبي» ص ١٣٢.
(٧) هو زهير بن أبي سلمى من «معلقته» في «شرح الزوزني» ص ٨٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>