للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ «١» ، أي: قد حصرت. ومثله: وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ»

، فقد كذبت، ولولا إضمار «قد» لم يجز مثله في الكلام.

وفي الحياتين، والموتتين أقوال: أصحها: أن الموتة الأولى، كونهم نطفاً وعلقاً ومضغاً، فأحياهم في الأرحام، ثم يميتهم بعد خروجهم إِلى الدنيا، ثم يُحييهم للبعث يوم القيامة، وهذا قول ابن عباس وقتادة ومقاتل والفراء وثعلب، والزجاج، وابن قتيبة، وابن الأنباري.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٢٩]]

هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)

قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً، أي: لأجلكم، فبعضه للانتفاع، وبعضه للإتباع. ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ، أي: عمد إلى خلقها، والسماء: لفظها لفظ الواحد، ومعناها معنى الجمع، بدليل قوله: فَسَوَّاهُنَّ. وأيهما أسبق في الخلق: الأرض، أم السماء؟ فيه قولان: أحدهما: الأرض، قاله مجاهد. والثاني: السماء، قاله مقاتل. واختلفوا في كيفية تكميل خلق الأرض وما فيها، فقال ابن عبَّاس: بدأ بخلق الأرض في يومين، ثم خلق السماوات في يومين، ثم دحا الأرض وبينها الجبال، وقدر فيها أقواتها في يومين. وقال الحسن ومجاهد: جمع خلق الأرض وما فيها في أربعة أيام متوالية، ثم خلق السماء في يومين.

والعليم: جاء على بناء: فعيل، للمبالغة في وصفه بكمال العلم.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٣٠]]

وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٠)

قوله تعالى: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ. كان أبو عبيدة يقول: «إذ» ملغاة، وتقدير الكلام: وقال ربك، وتابعه ابن قتيبة، وعاب ذلك عليهما الزجاج وابن القاسم. وقال الزجاج: إذ: معناها: الوقت، فكأنه قال: ابتداء خلقكم إذ قال ربك للملائكة.

والملائكة: من الألوك، وهي الرسالة، قال لبيد:

وغلام أرسلتْه أمه ... بألوك فبذلنا ما سأل

وواحد الملائكة: ملك، والأصل فيه: ملأك. وأنشد سيبويه:

فلست لإِنسي ولكن لملأكٍ ... تنزل من جوِّ السماء يصوب

قال أبو إِسحاق: ومعنى ملأك: صاحب رسالة، يقال: مألَكة ومألُكة وملأكة. ومآلك: جمع مألكة. قال الشاعر «٣» :

أبلغ النعمان عني مألكاً ... أنه قد طال حبسي وانتظاري

وفي هؤلاء الملائكة قولان: أحدهما: أنهم جميع الملائكة، قاله السدي عن أشياخه. والثاني:


(١) النساء: ٩٠.
(٢) يوسف: ٢٦.
(٣) هو عدي بن زيد كما في «اللسان» مادة (ألك) .

<<  <  ج: ص:  >  >>