للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأعصينه، قاله مقاتل. وفي الذي كتموه قولان: أحدهما: أنه اعتقاد الملائكة أن الله تعالى لا يخلق خلقاً أكرم منهم، قاله الحسن وأبو العالية وقتادة. والثاني: أنه ما أسره إبليس من الكبر والعصيان. رواه السدي عن أشياخه، وبه قال مجاهد وابن جبير ومقاتل.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٣٤]]

وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ (٣٤)

قوله تعالى: وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا. عامة القراء على كسر التاء من الملائكة، وقرأَ أبو جعفر والأعمش بضمها في الوصل، قال الكسائيّ: هي لغة، أزد شنوءة. وفي هؤلاء الملائكة قولان:

أحدهما: أنهم جميع الملائكة، قاله السدي عن أشياخه. والثاني: أنهم طائفة من الملائكة، روي عن ابن عباس، والأول أصح. والسجود في اللغة: التواضع والخضوع، وأنشدوا:

ساجد المنخر ما يرفعه ... خاشع الطرف أصم المستمع

وفي صفة سجودهم لآدم قولان: أحدهما: أنه على صفة سجود الصلاة، وهو الأظهر. والثاني:

أنه الانحناء والميل المساوي للركوع.

قوله تعالى: إِلَّا إِبْلِيسَ. في هذا الاستثناء قولان «١» :

أحدهما: أنه استثناء من الجنس، فهو على هذا القول من الملائكة، قاله ابن مسعود في رواية، وابن عباس. وقد روي عن ابن عباس أنه كان من الملائكة، ثم مسخه الله تعالى شيطاناً.

والثاني: أنه من غير الجنس، فهو من الجن، قاله الحسن والزهري.

قال ابن عباس: كان إبليس من خزان الجنة، وكان يدير أمر السماء الدنيا. فان قيل: كيف استثني وليس من الجنس؟ فالجواب: أنه أمر بالسجود معهم، فاستثني منهم لأنه لم يسجد، وهذا كما تقول:

أمرت عبدي وإخوتي فأطاعوني إلا عبدي، هذا قول الزجاج.

وفي إبليس قولان: أحدهما: اسم أعجمي ليس بمشتق، ولذلك لا يصرف، هذا قول أبي عبيدة، والزّجّاج وابن الأنباري. والثاني: أنه مشتق من الإِبلاس، وهو: اليأس، روي عن أبي صالح، وذكره ابن قتيبة وقال: إِنه لم يصرف، لانه لا سمي له، فاستثقل. قال شيخنا أبو منصور اللغوي «٢» : والأول أصح، لأنه لو كان من الإِبلاس لصرف، أَلا ترى أنك لو سميت رجلاً: بإِخريط وإِجفيل لصرف في المعرفة.

قوله تعالى: أَبى معناه: امتنع، وَاسْتَكْبَرَ استفعل من: الكبر.

وفي وَكانَ قولان: أحدهما: أنها بمعنى: صار، قاله قتادة. والثاني: أنها بمعنى الماضي، فمعناه: كان في علم الله كافراً، قاله مقاتل وابن الأنباري.


(١) القول الثاني هو الصواب، والحجة في ذلك قوله تعالى في سورة الكهف وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ فهو من الجن إذن، وقال تعالى وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ وقال أيضا خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ ومعلوم أن الملائكة لم يخلقوا من نار. فإبليس أصل الجن، وآدم أصل الإنس. والله أعلم.
(٢) هو الإمام موهوب بن أحمد الجواليقي، عارف باللغة والأدب، توفي سنة ٥٤٠ ببغداد.

<<  <  ج: ص:  >  >>