للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأُبيّ، وسعيد بن جبير، وعكرمة، والجحدري: «والمقيمون الصلاة» بالواو. وقال الزجاج: قول من قال إِنه خطأ، بعيدٌ جداً، لأن الذين جمعوا القرآن هم أهل اللغة، والقدوة، فكيف يتركون في كتاب الله شيئاً يُصلِحُه غيرهم؟! فلا ينبغي أن ينسب هذا إليهم. وقال الأنباري: حديثُ عثمان لا يصح، لأنه غير متصل، ومحال أن يؤخر عثمان شيئاً فاسداً، ليُصلحه من بعده. والثاني: أنه نسقٌ على «ما» والمعنى يؤمنون بما أنزل إِليك، وبالمقيمين الصلاة، فقيل: هم الملائكة، وقيل: الأنبياء. والثالث: أنه نسقٌ على الهاء والميم من قوله مِنْهُمْ فالمعنى: لكن الراسخون في العلم منهم، ومن المقيمين الصلاة يؤمنون بما أنزل إِليك. قال الزجاج: وهذا رديء عند النحويين، لا ينسق بالظاهر المجرور على المضمر المجرور إِلا في الشّعر. والرابع: أنه منصوبٌ على المدح، فالمعنى: اذكر المقيمين الصلاة، وهم المؤتون الزكاة. وأنشدوا:

لا يَبْعَدَنْ قومي الذين هُمُ ... سُمُّ العُداة وآفةُ الجُزْرِ

النازلين بكلِّ معترَكٍ ... والطيبون مَعاقِدَ الأُزْرِ «١»

وهذا على معنى: اذكر النازلين، وهم الطيبون، ومن هذا قولك: مررت بزيد الكريمِ، إن أردت أن تخلصَه من غيره. فالخفض هو الكلام، وإِن أردت المدح والثناء، فإن شئت نصبت، فقلت: بزيد الكريمَ، كأنك قلت: اذكر الكريم، وإِن شئت رفعت على معنى: هو الكريمُ. وتقول: جاءني قومك المطعمين في المحْل، والمغيثون في الشدائِد على معنى: اذكر المطعمين، وهم المغيثون، وهذا القول اختيار الخليل، وسيبويه. فهذه الأقوال حكاها الزجاج، واختار هذا القول.

[[سورة النساء (٤) : آية ١٦٣]]

إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (١٦٣)

قوله تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قال ابن عباس: قال عدي بن زيد، وسُكين: يا محمد ما نعلم الله أنزل على بشرٍ من شيءٍ بعد موسى، فنزلت هذه الآية. وقد ذكرنا في «آل عمران» معنى الوحي، وذكرنا نوحا هنالك. وإِسحاق: أعجمي، وإِن وافق لفظ العربي، يقال: أسحقه الله يسحقه إِسحاقاً، ويعقوب: أعجمي. فأما اليعقوب، وهو ذكر الحجل وهي القبج «٢» فعربيّ، كذلك قرأته على شيخنا أبي


(١) البيتان للخرنق بنت هفان من قصيدة رثت بها زوجها بشر بن عمرو بن مرثد الضبعي وابنها علقمة، وأخويها حسان وشرحبيل، ومن قتل معه من قومه. كما في «الخزانة» ٢/ ٣٠١. والآفة: العلّة. والجزر: جمع جزور، وهي الناقة التي تنحر. والطيبون معاقد الأزر: من عادة العرب إذا وصفوا الرجل بطهارة الإزار وطيبه فهو إشارة وكناية عن عفة الفرج.
(٢) في «اللسان» : القبج: الكروان، معرّب، وهو بالفارسية كبج، والقاف والجيم لا يجتمعان في كلمة واحدة من كلام العرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>