للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة المائدة (٥) : آية ٢٢]]

قالُوا يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَها حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنَّا داخِلُونَ (٢٢)

قوله تعالى: إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ قال الزجاج: الجبار من الآدميّين: الذي يُجبِر الناس على ما يريد، يقال: جبار: بَيِّنُ الجَبَرِيَّة، والجِبِرِيَّة بكسر الجيم والباء، والجَبَرُوَّةُ والجُبُّورة والتَّجبار والجَبَرُوت. وفي معنى وصفه هؤلاء بالجبارين ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم كانوا ذوي قوّة، قاله ابن عباس. والثاني: أنهم كانوا عظام الخلْق والأجسام، قاله قتادة. والثالث: أنهم كانوا قتَّالين، قاله مقاتل.

(الإِشارة إِلى القصَّة) قال ابن عباس: لما نزل موسى وقومه بمدينة الجبارين، بعث اثني عشر رجلاً، ليأتوه بخبرهم، فلقيَهم رجل من الجبارين، فجعلهم في كسائِه، فأتى بهم المدينة، ونادى في قومه، فاجتمعوا، فقالوا لهم: من أين أنتم؟ فقالوا: نحن قوم موسى بعثنا لنأتيَه بخبركم، فأعطوهم حبَّةً من عنبٍ توقر «١» الرجل، وقالوا لهم، قولوا لموسى وقومه: اقدروا قدر فاكههم، فلما رجعوا، قالوا: يا موسى إِن فيها قوماً جبارين. وقال السدي: كان الذي لقيهم، يقال له: عاج، يعني: عوج بن عناق، فأخذ الاثني عشر، فجعلهم في حُجرته وعلى رأسه حُزمة حطب، وانطلق بهم إِلى امرأته، فقال: انظري إِلى هؤلاء الذين يزعمون أنهم يريدون قتالنا، فطرحهم بين يديها، قال: ألا أطحنهم برجلي؟ فقالت امرأته: لا، بل خلِّ عنهم حتى يخبروا قومهم بما رأوا. فلما خرجوا قالوا: يا قوم إِن أخبرتم بني إِسرائيل بخبر القوم، ارتدوا عن نبي الله، فأخذوا الميثاق بينهم على كتمان ذلك، فنكث عشرة، وكتم رجلان، وقال مجاهد: لما رأى النُّقباءُ الجبارينَ، وجدوهم يدخل في كمِّ أحدهم اثنان منهم، ولا يحمل عنقود عنبهم إِلا خمسة أو أربعة، ويدخل في شطر الرّمّانة إذ نزع حبّها خمسة أو أربعة، فرجع النقباء كلُّهم ينهى سبطه عن قتالهم إِلا يوشع، وابن يوقنّا «٢» .

[[سورة المائدة (٥) : آية ٢٣]]

قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٢٣)

قوله تعالى: قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ في الرجلين ثلاثة أقوال: أحدها: أنهما يوشع بن نون، وكالب بن يوقنة، قاله ابن عباس. وقال مجاهد: ابن يوقنّا، وهما من النقباء. والثاني: أنهما كانا من الجبارين فأسلما، روي عن ابن عباس. والثالث: أنهما كانا في مدينة الجبارين، وهما على دين موسى، قاله الضحاك. وقرأ ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وأبو رجاء، وأيوب: «يُخافون» بضم الياء، على معنى أنهما كانا من العدوّ، فخرجا مؤمنين. وفي معنى «خوفهم» ثلاثة أقوال: أحدها:

أنهم خافوا الله وحده. والثاني: خافوا الجبارين، ولم يمنعهم خوفهم قول الحق. والثالث: يُخاف منهم، على قراءة ابن جبير. وفيما أنعم به عليهما أربعة أقوال: أحدها: الإِسلام، قاله ابن عباس.


(١) في «اللسان» : الوقر: الحمل الثقيل.
(٢) هذه الأخبار من مجازفات الإسرائيليين وترّهاتهم، وفيها من المبالغة ما لا يخفى.

<<  <  ج: ص:  >  >>