للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَهِيٌ بجمال العلم، وهذا قول قطرب.

وهل بين الرّبانيين والأحبار فَرْق أم لا؟ فيه قولان: أحدهما: لا فرق، والكل العلماء، هذا قول الأكثرين، منهم ابن قتيبة، والزجاج. وقد روي عن مجاهد أنه قال: الرّبانيون: الفُقهاء العُلماء، وهم فوق الأحبار. وقال السدي: الربانيون العلماء، والأحبار القُرّاء. وقال ابن زيد: الربانيون: الولاة، والأحبار: العُلماء، وقيل: الربانيون: علماء النصارى، والأحبار: علماء اليهود.

قوله تعالى: بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللَّهِ قال ابن عباس: بما استودعوا من كتاب الله وهو التوراة. وفي معنى الكلام قولان: أحدهما: يحكمون بحكم ما استحفظوا. والثاني: العلماء بما استحفظوا. قال ابن جرير: «الباء» في قوله تعالى: بِمَا اسْتُحْفِظُوا من صلة الأحبار.

وفي قوله تعالى: وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ قولان:

أحدهما: وكانوا على ما في التوراة من الرَّجم شهداء، رواه أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: وكانوا شهداء لمحمد عليه السلام بما قال أنه حق. رواه العوفي عن ابن عباس.

قوله تعالى: فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ قرأ ابن كثير، وعاصم، وحمزة، وابن عامر، والكسائي «واخشون» بغير ياء في الوصل والوقف. وقرأ أبو عمرو بياء في الوصل، وبغير ياء في الوقف، وكلاهما حسنٌ. وقد أشرنا إِلى هذا في سورة آل عمران «١» . ثم في المخاطبين بهذا قولان.

أحدهما: أنهم رؤساء اليهود، قيل لهم: فلا تخشوا الناس في إِظهار صفة محمد، والعمل بالرّجم، واخشوني في كتمان ذلك، روى هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس. قال مقاتل: الخطاب ليهود المدينة، قيل لهم: لا تخشوا يهود خيبر أن تخبروهم بالرّجم، ونعت محمد، واخشوني في كتمانه.

والثاني: أنهم المسلمون، قيل لهم: لا تخشوا الناس، كما خشيت اليهود الناس، فلم يقولوا الحق، ذكره أبو سليمان الدمشقي.

قوله تعالى: وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلًا في المراد بالآيات قولان: أحدهما: أنها صفة محمّد صلّى الله عليه وسلّم والقرآن. والثاني: الأحكام والفرائِض. والثمن القليل مذكور في البقرة.

فأمّا قوله تعالى: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ. وقوله تعالى بعدها:

فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ. فاختلف العلماء فيمن نزلت على خمسة أقوال «٢» :

أحدها: أنها نزلت في اليهود خاصة، رواه عبيد بن عبد الله عن ابن عباس، وبه قال قتادة. والثاني: أنها نزلت في المسلمين، روى سعيد بن جبير عن ابن عباس نحو هذا المعنى. والثالث: أنها عامّة في


(١) سورة آل عمران: ١٧٣.
(٢) قال الإمام الطبري رحمه الله ٤/ ٥٩٧: وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب، قول من قال: نزلت هذه الآيات في كفار أهل الكتاب، لأن ما قبلها وما بعدها من الآيات ففيهم نزلت، وهم المعنيون بها. وهذه الآيات سياق الخبر عنهم، فكونها خبرا عنهم أولى قلت: ومع ذلك العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فمن فعل من هذه الأمة مثل أفعال اليهود ألحق بهم، وتوجه الخطاب له، ومن فعل أفعال المشركين ألحق بهم، وتوجه الخطاب له، ومن فعل أفعال النصارى ألحق بهم، وتوجه الخطاب له، فإن هذا القرآن ما نزل لمجرد التلاوة والتبرك به، بل ليهتدى به، وليعتبر به. والله ولي التوفيق.

<<  <  ج: ص:  >  >>