للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأنباري: وهذا خبر أخبر الله تعالى به الخلق أن هذا قد نزل بهم، وموضعه نصب على معنى الحال.

تقديره: قالت اليهود هذا في حال حكم الله بغل أيديهم، ولعنته إِياهم، ويجوز أن يكون المعنى: فغلت أيديهم، ويجوز أن يكون دعاء، معناه: تعليم الله لنا كيف ندعو عليهم، كقوله تعالى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ «١» وقوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ «٢» .

وفي قوله تعالى: وَلُعِنُوا بِما قالُوا ثلاثة أقوال: أحدها: أُبعدوا من رحمة الله. والثاني: عذّبوا قردة بالجزية، وفي الآخرة بالنّار. الثالث: مُسخوا قردة وخنازير.

(٤٤٨) وروى ابن عباس عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «من لعن شيئاً لم يكن للعنه أهلاً رجعت اللعنة على اليهود بلعنة الله إِياهم» .

قال الزجاج: وقد ذهب قومٌ إِلى أن معنى «يد الله» : نعمته، وهذا خطأ ينقضه بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ فيكون المعنى على قولهم: نعمتاه، ونعم الله أكثر من أن تحصى. والمراد بقوله: بل يَداهُ مَبْسُوطَتانِ:

أنه جواد ينفق كيف يشاء، وإِلى نحو هذا ذهب ابن الأنباري. قال ابن عباس: إِن شاء وسَّع في الرزق، وإِن شاء قتَّر.

قوله تعالى: وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً قال الزجاج: كلما أُنزل عليك شيء كفروا به، فيزيد كفرهم. و «الطّغيان» هاهنا: الغلو في الكفر. وقال مقاتل: وليزيدن بني النضير ما أُنزل إِليك من ربك من أمر الرجم والدّماء طغياناً وكفراً.

قوله تعالى: وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فيمن عني بهذا قولان: أحدهما: اليهود والنصارى، قاله ابن عباس: ومجاهد، ومقاتل. فإن قيل: فأين ذكر النصارى؟ فالجواب: أنه قد تقدم في قوله تعالى: لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ. والثاني: أنهم اليهود، قاله قتادة.

قوله تعالى: كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ ذِكْر إِيقاد النار مَثَلٌ ضُربَ لاجتهادهم في المحاربة، وقيل: إِن الأصل في استعارة اسم النار للحرب أن القبيلة من العرب كانت إِذا أرادت حرب أُخرى أوقدت النار على رؤوس الجبال، والمواضع المرتفعة، ليعلم استعدادهم للحرب، فيتأهب من يريد إِعانتهم. وقيل: كانوا إِذا تحالفوا على الجدِّ في حربهم، أوقدوا ناراً، وتحالفوا. وفي معنى الآية قولان: أحدهما: كلما جمعوا لحرب النبي صلّى الله عليه وسلّم فرّقهم الله. والثاني: كلما مكروا مكراً رده الله. قوله


لا أصل له في المرفوع، وقد صح ما يعارضه، وهو ما أخرجه أبو داود ٤٩٠٨ والترمذي ١٩٧٨ وابن حبان ٥٧٤٥ والطبراني ١٢٧٥٧ عن ابن عباس أن رجلا لعن الريح عند النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال صلّى الله عليه وسلّم: «لا تلعن الريح، فإنها مأمورة، وليس أحد يلعن شيئا ليس له بأهل إلا رجعت عليه اللعنة» . رجاله ثقات رجال الشيخين، لكن فيه عنعنة قتادة. وله شاهد من حديث ابن مسعود، أخرجه أحمد ١/ ٤٠٨ وجوده المنذري في «الترغيب» ٤١٠٨.
وله شاهد من حديث أبي الدرداء، أخرجه أبو داود ٤٩٠٥ بإسناد ضعيف لكن يصلح شاهدا لما قبله. فهذه الروايات تتأيد بمجموعها، فهو خبر صحيح. وهو يعارض حديث المصنف، لأن في هذه الأحاديث عود اللعنة على صاحبها إن لم يكن الآخر أهلا لها، في حين سياق المصنف ابن الجوزي فيه عودها على اليهود في جميع الأحوال.

<<  <  ج: ص:  >  >>