للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا «١» ، ومثلُ مذهب مَنْ رفع: أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ «٢» أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ «٣» . قال ابن عباس: ظنوا أن الله لا يعذّبهم، ولا يبتليهم بقتلهم الأنبياء، وتكذيبهم الرسل.

قوله تعالى: فَعَمُوا وَصَمُّوا قال الزجاج: هذا مثل تأويله: أنهم لم يعملوا بما سمعوا ورأوا من الآيات، فصاروا كالعمي الصمّ.

قوله تعالى: ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فيه قولان: أحدهما: رفع عنهم البلاء، قاله مقاتل. وقال غيره: هو ظفرهم بالأعداء، وذلك مذكور في قوله تعالى: ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ. والثاني: أن معنى «تاب عليهم» : أرسل إِليهم محمداً يعلمهم أن الله قد تاب عليهم إِن آمنوا وصدقوا، قاله الزجاج.

وفي قوله تعالى: ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا قولان: أحدهما: لم يتوبوا بعد رفع البلاء، قاله مقاتل. والثاني:

لم يؤمنوا بعد بعثة محمّد صلّى الله عليه وسلّم، قاله الزجاج.

قوله تعالى: كَثِيرٌ مِنْهُمْ أي: عمي وصم كثيرٌ منهم، كما تقول: جاءني قومُك أكثرُهم. قال ابن الأنباري: هذه الآية نزلت في قوم كانوا على الكفر قبل أن يبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلما بعث كذبوه بغياً وحسداً، وقدَّروا أن هذا الفعل لا يكون مُوبقاً لهم، وجانياً عليهم، فقال الله تعالى: وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ أي: ظنوا ألا تقع بهم فتنة في الإِصرار على الكفر، فعموا وصموا بمجانبة الحق. ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أي: عرّضهم للتّوبة بأن أرسل محمّدا صلّى الله عليه وسلّم وإِن لم يتوبوا، ثم عموا وصموا بعد بيان الحق بمحمد، كثيرٌ منهم، فخصّ بعضهم بالفعل الأخير، لأنهم لم يجتمعوا كلهم على خلاف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

[[سورة المائدة (٥) : آية ٧٢]]

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْواهُ النَّارُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ (٧٢)

قوله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قال مقاتل: نزلت في نصارى نجران، قالوا ذلك. قوله تعالى: وَقالَ الْمَسِيحُ أي: وقد كان المسيح قال لهم وهو بين أظهرهم: إِنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة.

[[سورة المائدة (٥) : آية ٧٣]]

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٧٣)

قوله تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ قال مجاهد: هم النصارى. قال وهب بن منبّه: لما وُلد عيسى لم يبق صنم إِلا خرَّ لوجهه، فاجتمعت الشياطين إِلى إِبليس، فأخبروه، فذهب فطاف أقطار الأرض، ثم رجع، فقال: هذا المولود الذي ولد من غير ذكر، أردت أن أنظر إِليه، فوجدت الملائكة قد حفّت بأمِّه، فليتخلف عندي اثنان من مردتكم، فلما أصبح. خرج بهما في


(١) سورة العنكبوت: ٢.
(٢) سورة المؤمنون: ٩٥.
(٣) سورة الزخرف: ٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>