للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مكية، غير آيتين نزلتا بالمدينة قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ، والتي بعدها.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[[سورة الأنعام (٦) : آية ١]]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١)

فأمّا التّفسير، فقال كعب: فاتحة التوراة فاتحة الأنعام، وخاتمتها خاتمة هود وإنما ذكر السّماوات والأرض، لأنهما من أعظم المخلوقات. والمراد «بالجَعل» : الخلق. وقيل: إنّ «جعل» هاهنا: صلة والمعنى: والظلمات. وفي المراد بالظلمات والنور ثلاثة أقوال: أحدها: الكفر والإيمان، قاله الحسن.

والثاني: الليل والنهار، قاله السدي. والثالث: جميع الظّلمات والأنوار. قال قتادة: خلق السّماوات قبل الأرض، والظلماتِ قبل النور، والجنةَ قبل النار.

قوله تعالى: ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني: المشركين بعد هذا البيان بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ، أي:

يجعلون له عَدِيلاً، فيعبدون الحجارة المواتَ، مع إِقرارهم بأنه الخالق لِما وُصِف. يقال: عدلت هذا بهذا: إِذا ساويته به. قال أبو عبيدة: هو مقدَّم ومؤخَّر، تقديره: يعدلون بربهم. وقال النّصر بن شميل:

الباء: بمعنى «عن» .

[[سورة الأنعام (٦) : آية ٢]]

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (٢)

قوله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ يعني: آدم، وذلك أنه لما شك المشركون في البعث، وقالوا: من يحيي هذه العظام؟ أعلمهم أنه خلقهم من طين، فهو قادر على إِعادة خلقهم.

قوله تعالى: ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ فيه ستة اقوال «١» : أحدها: أن الأجل الأول: أجل الحياة إلى الموت والأجل الثّاني: أجل الموت إلى البعث، روي عن ابن عباس، والحسن، وابن المسيب، وقتادة، والضحاك، ومقاتل. والثاني: أن الأجل الأول: النوم الذي تُقْبَضُ فيه الروح، ثم ترجع في حال اليقظة والأجل المسمى عنده: أجل موت الإِنسان. رواه العوفي عن ابن عباس.

والثالث: أن الأجل الأول: أجل الآخرة متى يأتي، والأجل الثاني: أجل الدنيا، قاله مجاهد في رواية.

والرابع: أن الأول: خلق الأشياء في ستة أيام، والثاني: ما كان بعد ذلك إلى يوم القيامة، قاله عطاء الخراساني. والخامس: أن الأول: قضاه حين أخذ الميثاق على خلقه، والثاني: الحياة في الدنيا، قاله


(١) قال الطبري في «تفسيره» ٥/ ١٤٨: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب، قول من قال: معناه: ثم قضى أجل الحياة الدنيا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ وهو أجل البعث عنده. وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب. لأنه تعالى ذكره نبّه خلقه على موضع حجته عليهم من أنفسهم فقال لهم: أيها الناس إن الذي يعدل به كفاركم الآلهة والأنداد هو الذي خلقكم فابتدأكم وأنشأكم من طين، فجعلكم صورا أجساما أحياء بعد إذ كنتم طينا جمادا، ثم قضى آجال حياتكم لفنائكم ومماتكم ليعيدكم ترابا وطينا كالذي كنتم قبل أن ينشئكم ويخلقكم، وأجل مسمى عنده لإعادتكم أحياء وأجساما كالذي كنتم قبل مماتكم. وذلك نظير قوله: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة: ٢٨] .

<<  <  ج: ص:  >  >>