للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إطعام من حضر من الفقراء، فذلك يكون يوم الحصاد وإن قلنا: إنه الزكاة، فقد ذُكرت عنه ثلاثة أجوبة: أحدها: أن الأمر بالإِيتاء محمول على النخيل، لأن صدقتها تجب يوم الحصاد. فأما الزروع، فالأمر بالإيتاء منها محمول على وجوب الإخراج إلا أنه لا يمكن ذلك عند الحصاد فيؤخَّر إلى زمان التنقية، ذكره بعض السلف. والثاني: أن اليوم ظرف للحق، لا للايتاء فكأنه قال: وآتوا حقه الذي وجب يوم حصاده بعد التنقية. والثالث: أن فائدة ذكر الحصاد أن الحق لا يجب فيه بنفس خروجه وبلوغه، إنما يجب يوم حصوله في يد صاحبه. وقد كان يجوز أن يتوهم أن الحق يلزم بنفس نباته قبل قطعه، فأفادت الآية أن الوجوب فيما يحصل في اليد، دون ما يتلف، ذكر الجوابين القاضي أبو يعلى.

وفي قوله تعالى: وَلا تُسْرِفُوا ستة أقوال «١» : أحدها: أنه تجاوز المفروض في الزكاة إلى حد يُجحف به، قاله أبو العالية، وابن جريج. وروى أبو صالح عن ابن عباس: أن ثابت بن قيس بن شماس صرم خمسمائة نخلة، ثم قسمها في يوم واحد، فأمسى ولم يترك لأهله شيئا، فكره الله تعالى له ذلك، فنزلت: وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. والثاني: أنّ الإسراف: يمنع الصدقة الواجبة! قاله سعيد بن المسيب. والثالث: أنه الإِنفاق في المعصية، قاله مجاهد، والزهري. والرابع: أنه إشراك الآلهة في الحرث والأنعام، قاله عطيّة، وابن السائب. والخامس: أنه خطاب للسلطان لئلا يأخذ فوق الواجب من الصدقة، قاله ابن زيد. والسادس: أنه الإسراف في الأكل قبل أداء الزّكاة، قاله ابن بحر.

[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٤٢]]

وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (١٤٢)

قوله تعالى: وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً هذا نسق على ما قبله والمعنى: أنشأ جنّاتٍ وأنشأ حمولة وفرشاً. وفي ذلك خمسة أقوال: أحدها: أن الحمولة: ما حمل من الإبل، والفرشَ: صغارها، قاله ابن مسعود، والحسن، ومجاهد، وابن قتيبة. والثاني: أن الحمولة: ما انتفعت بظهورها، والفرش: الراعية، رواه الضحاك عن ابن عباس. والثالث: أن الحمولة: الإبل: والخيل، والبغال، والحمير، وكل شيء يُحمَل عليه. والفرش: الغنم: رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والرابع:


(١) قال الطبري في «تفسيره» ٥/ ٣٧١: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى ذكره نهى بقوله: وَلا تُسْرِفُوا عن جميع معاني «الإسراف» ولم يخصص منها معنى دون معنى وإذ كان ذلك كذلك، وكان «الإسراف» في كلام العرب: الإخطاء بإصابة الحق في العطية، إما بتجاوز حده في الزيادة، وإما بتقصير عن حده الواجب، كان معلوما أن المفرق ماله مباراة، والباذل له للناس حتى أجحفت به عطيته، مسرف بتجاوزه حد الله إلى ما ليس له. وكذلك المقصر في بذله فيما ألزمه الله بذله فيه. وذلك كمنعه ما ألزمه إيتاءه منه أهل سهمان الصدقة إذا وجبت فيه، أو منعه من ألزمه الله نفقته من أهله وعياله وألزمه منها، وكذلك السلطان في أخذه من رعيته ما لم يأذن الله بأخذه. كل هؤلاء فيما فعلوا من ذلك مسرفون، داخلون في معنى من أتى ما نهى الله عنه من الإسراف بقوله: وَلا تُسْرِفُوا في عطيتكم من أموالكم ما يجحف بكم إذا كان ما قبله من الكلام أمرا من الله بإيتاء الواجب فيه أهله يوم حصاده. فإن الآية قد كانت تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب خاص من الأمور والحكم بها على العام، بل عامة آي القرآن كذلك، فكذلك قوله وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ا. هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>