للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكم، لأنكم لا تؤمنون بكتاب. أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ أي: هل شاهدتم الله قد حرَّم هذا، إذا كنتم لا تؤمنون برسول؟

قوله تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ قال ابن عباس: يريد عمرو بن لحي، ومن جاء بعده. والظّالمون ها هنا: المشركون.

[[سورة الأنعام (٦) : آية ١٤٥]]

قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٤٥)

قوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ نبْههم بهذا على أن التحريم والتحليل، إنما يثبت بالوحي، وقال طاوس، ومجاهد: معنى الآية: لا أجد محرماً مما كنتم تستحلون في الجاهلية إلا هذا. والمراد بالطاعم: الآكل. إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أي: إلا أن يكون المأكول ميتة. قرأ ابن كثير، وحمزة: «إلا أن يكون» بالياء، «ميتة» نصبا! وقرأ ابن عامر: «إلا أن تكون» بالتاء، «ميتةٌ» بالرفع على معنى: إلا أن تقع ميتةٌ، أو تحدث ميتةٌ. أَوْ دَماً مَسْفُوحاً قال قتادة: إنما حُرِّمَ المسفوحُ. فأما اللحم إذا خالطه دم، فلا بأس به. وقال الزجاج: المسفوح: المصبوب. وكانوا إذا ذَكَّوا يأكلون الدم كما يأكلون اللحم. والرجس: اسم لما يُستقذَر، وللعذاب. أَوْ فِسْقاً المعنى: أو أن يكون المأكول فسقا. أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ أي: رُفع الصوت على ذبحه باسم غير الله، فسمي ما ذُكر عليه غير اسم الله فسقاً والفسق: الخروج من الدين.

(فصل:) اختلف علماء الناسخ والمنسوخ في هذه الآية على قولين «١» :


(١) قال الإمام الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في «التمهيد» ١/ ١٣٩ ما ملخصه، بعد أن أسند حديث أبي هريرة «أكل كل ذي ناب من السباع حرام» : وهذا حديث ثابت مجتمع على صحته، وفيه من الفقه أن النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع نهي تحريم، لا نهي أدب وإرشاد، وكل خبر جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه نهي، فالواجب استعماله على التحريم إلا أن يأتي معه أو في غيره دليل يبين أن المراد أنه ندب وأدب. وقد زعم بعض أصحابنا أنه نهى تنزه وتقذر، فإن أراد به نهي أدب فهذا ما لا يوافق عليه، وإن أراد أن كل ذي ناب من السباع يجب التنزه عنه كما يتنزه عن النجاسة فهذا غاية في التحريم. ولم يرده القائلون من أصحابنا. لأنهم استدلوا بظاهر هذه الآية قُلْ لا أَجِدُ ... وذكر أن من الصحابة من استعمل هذه الآية، ولم يحرم ما عداها، ويلزمه على أصله هذا أن يحل لحم الحمر الأهلية، وهو لا يقول هذا في لحم الحمر الأهلية. لأنه لا تعمل الزكاة عنده في لحومها ولا في جلودها، ولو لم يكن محرما إلا ما في هذه الآية لكانت الحمر الأهلية حلالا. وهو لا يقول به، ولا أحد من أصحابه، وهذه مناقضة، وكذلك يلزمه أن لا يحرم ما لم يذكر اسم الله عليه عمدا، ويستحل الخمر المحرمة عند جماعة المسلمين. وأظن قائل هذا القول من أصحابنا في أكل كل ذي ناب.
راعى اختلاف العلماء، ولا يجوز مراعاة الاختلاف عند طلب الحجة. لأن الاختلاف ليس منه شيء لازم دون دليل، وإنما الحجة اللازمة الإجماع لأن الإجماع يجب الانقياد إليه. فأما قوله تعالى قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ ... فقال قوم من فقهاء العراقيين، ممن يجيز نسخ القرآن بالسنة: إن هذه الآية منسوخة بالسنة. وقال آخرون: معنى الآية، أي لا أجد قد أوحي إلي في هذا الحال أي وقت نزول الآية. وقالت فرقة: الآية محكمة، ولا يحرم إلا ما فيها، وهو قول ابن عباس، وقد روي عنه خلافه في أشياء حرمها، يطول ذكرها وكذلك اختلف فكيه عن عائشة، وروي عن ابن عمر من وجه ضعيف، وهو قول الشعبي وسعيد بن جبير.
وأما سائر فقهاء المسلمين في جميع الأمصار فمخالفون لهذا القول متبعون للسنة في ذلك. وقال أكثر أهل العلم، والنظر من أهل الأثر: إن الآية محكمة غير منسوخة، وكل ما حرمه النبي صلى الله عليه وسلم مضموم إليها، ولا فرق بين ما حرم الله عز وجل في كتابه أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم اه. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>