للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاذا بذلك السبط قد اجتمعوا عليه، فأمسكهم وقال: قتلتم عمّي، وجعل يبكي وينادي: وا عمّاه. قال أبو العالية: والذي سأل موسى أن يسأل الله البيان: القاتل، وقال غيره: بل القوم اجتمعوا فسألوا موسى.

فلما أمرهم بذبح بقرة قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً؟ وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، والكسائي:

«هزؤا» بضم الهاء والزاي والهمزة، وقرأ حمزة، وإِسماعيل، وخلف في اختياره، والفراء عن عبد الوارث، والمفضل: «هزأ» باسكان الزاي. ورواه حفص بالضم من غير همزة، وحكى أبو علي الفارسي أن كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم، فمن العرب من يثقله، ومنهم من يخففه، نحو العسر واليسر. قوله تعالى: قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ. وإِنما انتفى من الهزء، لأن الهازئ جاهل لاعب. فلما تبين لهم أن الأمر من عند الله، قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ. قال الزجاج:

وإنما سألوا: ما هي، لأنهم لا يعلمون أن بقرة يحيا بضرب بعضها ميت.

فأما الفارض فهي: المسنة، يقال: فرضت البقرة فهي فارض: إذا أسنت. والبكر: الصغيرة التي لم تلد، والعوان: دون المسنّة، وفوق الصغيرة، يقال: حرب عوان: إِذا لم تكن أول حرب، وكانت ثانية.

[سورة البقرة (٢) : الآيات ٦٩ الى ٧٠]

قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (٦٩) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠)

في الصفراء قولان: أحدهما: أنه من الصفرة، وهو: اللون المعروف، قاله ابن عباس، وقتادة، وابن زيد، وابن قتيبة، والزجاج. والثاني: أنها السّوداء، قاله الحسن البصري، ورده جماعة، فقال ابن قتيبة: هذا غلط في نعوت البقر، وإنما يكون ذلك في نعوت الإبل، يقال: بعير أصفر، أي: أسود، لأن السوداء من الإبل يشوب سوادها صفرة، ويدل على ذلك قوله تعالى: فاقِعٌ لَوْنُها، والعرب لا تقول «أسود فاقع» إنما تقول: «أسود حالك» و «أصفر فاقع» . قال الزجاج: وفاقع نعت للأصفر الشديد الصفرة، يقال: أصفر فاقع، وأحمر قانئ وأخضر ناضر، وأبيض يقق، وأسود حالك، وحلكوك ودجوجي، فهذه صفات المبالغة في الألوان «١» .

ومعنى تَسُرُّ النَّاظِرِينَ: تعجبهم، قال ابن عباس: شدد القوم فشدّد عليهم.


(١) قال القرطبي رحمه الله في «تفسيره» ١/ ٤٨٧: قوله (صفراء) جمهور المفسرين أنها صفراء اللون من الصفرة المعروفة، قال مكي عن بعضهم: حتى القرن والظّلف. وقال الحسن وابن جبير: كانت صفراء القرن والظّلف فقط. وعن الحسن أيضا: (صفراء) معناه سوداء قال الشاعر:
تلك خيلي منه وتلك ركابي ... هنّ صفر أولادها كالزبيب
قلت: والأول أصح لأنه الظاهر، وهذا شاذ لا يستعمل مجازا إلّا في الإبل ولو أراد السواد لما أكده بالفقوع، وذلك نعت مختص بالصفرة وليس يوصف السواد بذلك، تقول العرب: أسود حالك وحلكوك وحلكوك، ودجوجيّ وغربيب. وأحمر قانئ وأبيض ناصع وأخضر ناضر وأصفر فاقع. هكذا نص نقلة اللغة عن العرب.

<<  <  ج: ص:  >  >>