للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومنه قوله تعالى: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ «١» ، قال السدي عن أشياخه: كان ناس من اليهود آمنوا ثم نافقوا، فكانوا يحدثون المؤمنين بما عذبوا به، فقال بعضهم لبعض: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من العذاب، ليقولوا: نحن أحب إلى الله منكم، وأكرم على الله منكم. والثاني: أن معناه: بما علمكم الله. قال ابن عباس وأبو العالية وقتادة: الذي فتحه عليهم، ما أنزله من التوراة في صفة محمّد صلّى الله عليه وسلّم. وقال مقاتل: كان المسلم يلقى حليفه، أو أخاه من الرضاعة من اليهود، فيسأله: أتجدون محمداً في كتابكم؟ فيقولون: نعم، إنه لحق. فسمع كعب بن الأشرف وغيره، فقال لليهود في السر:

أتحدثون أصحاب محمد بما فتح الله عليكم؟ أَي: بما بين لكم في التوراة من أمر محمد ليخاصموكم به عند ربكم باعترافكم أنه نبي، أفلا تعقلون أن هذا حجة عليكم «٢» ؟! قوله تعالى: عِنْدَ رَبِّكُمْ فيه قولان: أحدهما: أنه بمعنى: في حكم ربكم، كقوله تعالى:

فَأُولئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكاذِبُونَ «٣» . والثاني: أنه أراد به يوم القيامة.

[[سورة البقرة (٢) : آية ٧٨]]

وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاَّ أَمانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (٧٨)

قوله تعالى: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ، يعنى: اليهود. والأمي: الذي لا يكتب ولا يقرأ، قاله مجاهد.

وفي تسميته بالأمي قولان: أحدهما: لأنه على خلقة الأمة التي لم تتعلم الكتاب، فهو على جبلته، قاله الزجاج. والثاني: أنه ينسب إلى أمه، لأن الكتابة في الرجال كانت دون النساء. وقيل: لأنه على ما ولدته أمه. قوله تعالى: لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ، قال قتادة: لا يدرون ما فيه. قوله تعالى: إِلَّا أَمانِيَّ جمهور القراء على تشديد الياء، وقرأ الحسن، وأبو جعفر، بتخفيف الياء، وكذلك: تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ «٤» ولَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ «٥» فِي أُمْنِيَّتِهِ «٦» ، ووَ غَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ «٧» ، كله بتخفيف الياء وكسر الهاء من «أمانيهم» ولا خلاف في فتح ياء «الأماني» . وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال: أحدها: أنها الأكاذيب. قال ابن عباس: إلا أمانيَّ: يريد إلا قولاً يقولونه بأفواههم كذباً. وهذا قول مجاهد واختيار الفراء. وذكر الفراء أن بعض العرب قال لابن دأب «٨» وهو يحدث: أهذا شيء رويته، أم شيء تمنّيته؟ يريد: افتعلته. والثاني: أن الأماني: التلاوة، فمعناه: لا يعلمون فقه الكتاب، إنما يقتصرون على ما يسمعونه يتلى عليهم، قال الشاعر:

تمنى كتاب الله أول ليلة ... تمنّي داود الزّبور على رسل


(١) الأعراف: ٨٩.
(٢) عزاه المصنف لمقاتل، وهذا مرسل، وورد نحوه عن ابن عباس، أخرجه الطبري ١٣٤٣ وفيه راو مجهول، وكرره ١٣٤٤ من مرسل أبي العالية وبرقم ١٣٤٥ من مرسل قتادة. فلعل هذه الروايات تتأيد بمجموعها، والله أعلم.
(٣) النور: ١٣.
(٤) البقرة: ١١١.
(٥) النساء: ١٢٣.
(٦) الحج: ٥٢.
(٧) الحديد: ١٤. [.....]
(٨) هو أبو الوليد عيسى بن يزيد بن بكر بن دأب الليثي، المدني، كان أخباريا علّامة نسابة، لكن حديثه واه، كان يضع الحديث، وقال البخاري وغيره: منكر الحديث كما في «الميزان» .

<<  <  ج: ص:  >  >>