للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: وَبَلَوْناهُمْ أي: اختبرناهم بِالْحَسَناتِ وهي الخير، والخصب، والعافية، وَالسَّيِّئاتِ وهي الجدب، والشر، والشدائد فالحسنات والسيئات تحث على الطاعة، أما النّعم فلطلب الازدياد منها، وخوف زوالها، والنقمُ فلكشفها، والسلامة منها. لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ أي: لكي يتوبوا.

[[سورة الأعراف (٧) : آية ١٦٩]]

فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦٩)

قوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ أي: من بعد الذين وصفناهم. خَلْفٌ وقرأ الجوني، والجحدري: «خَلَفٌ» بفتح اللام. قال أبو عبيدة: الخَلَفُ والخَلَفُ واحد وقوم يجعلون المحرَّك اللام، للصالح، والمسكَّن، لغير الصالح. وقال ابن قتيبة: الخَلْفُ: الرديء من الناس ومن الكلام، يقال: هذا خَلْفٌ من القول. وقال ابن الأنباري: أكثر ما تستعمل العرب الخَلْفَ، باسكان اللام، في الرديء المذموم، وتفتح اللام في الفاضل الممدوح. وقد يوقع الخَلْفُ على الممدوح، والخلَفُ على المذموم غير أن المختار ما ذكرناه.

وفي المراد بهذا الخَلْف ثلاثة أقوال «١» : أحدها: أنهم اليهود، قاله ابن عباس، وابن زيد.

والثاني: النصارى. والثالث: أن الخَلْفَ من أُمة محمد صلّى الله عليه وسلم، والقولان عن مجاهد.

فان قيل: الخَلْفُ واحد، فكيف قال: يَأْخُذُونَ وكذلك قال في (مريم) أَضاعُوا «٢» ؟ فقد ذكر ابن الأنباري عنه جوابين: أحدهما: أن الخَلْف جمع خالف، كما أن الركب جمع راكب، والشَّرْب جمع شارب. والثاني: أي الخَلْف مصدر يكون للاثنين والجميع، والمذكر والمؤنث.

قوله تعالى: وَرِثُوا الْكِتابَ أي: انتقل إليهم انتقال الميراث من سلف إلى خلف، فيخرج في الكتاب ثلاثة أقوال: أحدها: أنه التوراة. والثاني: الإنجيل. والثالث: القرآن.

قوله تعالى: يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى أي: هذه الدنيا، وهو ما يعرض لهم منها. وقيل: سماه عرضاً، لقلة بقائه. قال ابن عباس: يأخذون ما أحبوا من حلال أو حرام. وقيل: هو الرِّشوة في الحكم. وفي وصفه بالأدنى قولان: أحدهما: أنه من الدُّنُوِّ. والثاني: أنه من الدناءة.

قوله تعالى: سَيُغْفَرُ لَنا فيه قولان: أحدهما: أن المعنى: إنا لا نؤاخَذ، تمنِّياً على الله الباطلَ.

والثاني: أنه ذنْب يغفره الله لنا، تأميلاً لرحمة الله تعالى. وفي قوله تعالى: وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ


(١) قال الطبري في «تفسيره» ٦/ ١٠٥: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى ذكره إنما وصف أنه خلف القوم الذين قص قصصهم في الآيات التي مضت، خلف سوء رديء ولم يذكر لنا أنهم نصارى في كتابه، وقصتهم بقصص اليهود أشبه منها بقصص النصارى. وبعد فإن ما قبل ذلك خبر عن بني إسرائيل وما بعده كذلك، فما بينهما بأن يكون خبرا عنهم أشبه. إذ لم يكن في الآية دليل على صرف الخبر عنهم إلى غيرهم، ولا جاء بذلك دليل يوجب صحة القول به. اه.
(٢) سورة مريم: ٥٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>