للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الاستفتاح قولان: أحدهما: انه الاستنصار قاله ابن عباس، والزجاج في آخرين. فان قلنا:

إنهم المسلمون، كان المعنى: إن تستنصروا فقد جاءكم النّصر بالملائكة وإن قلنا: هم المشركون احتمل وجهين. أحدهما: إن تستنصروا فقد جاء النصر عليكم. والثاني: إن تستنصروا لأحب الفريقين إلى الله، فقد جاءكم النصر لأحب الفريقين.

والثاني: أن الاستفتاح: طلب الحكم، والمعنى: إن تسألوا الحكم بينكم وبين المسلمين، فقد جاءكم الحكم وإلى هذا المعنى ذهب عكرمة، ومجاهد، وقتادة.

فأمّا قوله تعالى: وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ فهو خطاب للمشركين على قول الجماعة. وفي معناه قولان: أحدهما: إن تنتهوا عن قتال محمّد صلى الله عليه وسلم، والكفر، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني:

إن تنتهوا عن استفتاحكم فهو خير لكم لأنه كان عليهم لا لهم، ذكره الماوردي.

وفي قوله تعالى: وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ قولان:

أحدهما: وإن تعودا إلى القتال، نَعُدْ إلى هزيمتكم، قاله أبو صالح عن ابن عباس.

والثاني: وإن تعودوا إلى الاستفتاح، نعد إلى الفتح لمحمّد صلى الله عليه وسلم، قاله السدي.

قوله تعالى: وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً أي: جماعتكم وإن كثرت، وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ بالعون والنصر. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، وأبو بكر عن عاصم: «وإِن الله» بكسر الألف.

وقرأ نافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم: «وأَن» بفتح الألف. فمن قرأ بكسر «أن» استأنف. قال الفراء: وهو أحب إليَّ من فتحها. ومن فتحها، أراد: ولأن الله مع المؤمنين.

قوله: تعالى وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ فيه قولان: أحدهما: لا تولّوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والثاني: لا تولَّوا عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ما نزل من القرآن، روي القولان عن ابن عباس.

[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٢١ الى ٢٢]

وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٢١) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢)

قوله تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا اختلفوا فيمن نزلت على ثلاثة أقوال «١» : أحدها:

أنها نزلت في بني عبد الدار بن قصيّ، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: في اليهود، قريظة والنضير. روي عن ابن عباس أيضاً. والثالث: في المنافقين، قاله ابن إسحاق، والواقدي، ومقاتل.

وفي معنى الكلام قولان: أحدهما: أنهم قالوا: سمعنا، ولم يتفكَّرُوا فيما سمعوا، فكانوا كمن لم يسمع، قاله الزجاج. والثاني: أنهم قالوا: سمعنا سماع من يقبل، وليسوا كذلك، حكي عن مقاتل.

قوله تعالى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ اختلفوا فيمن نزلت على قولين «٢» :


(١) قال الطبري في تفسيره ٦/ ٢٠٩: وللذي قال ابن إسحاق وجه، ولكن قوله وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ في سياق قصص المشركين، ويتلوه الخبر عنهم بذمهم. وهو قوله إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ ...
فلأن يكون ما بينهما خبرا عنهم أولى من أن يكون خبرا عن غيرهم اهـ.
(٢) ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسيره ٢/ ٣٧٣: ولا منافاة بين المشركين والمنافقين في هذا، لأن كلا منهم مسلوب الفهم الصحيح والقصد إلى العمل الصالح، ثم أخبر تعالى بأنهم لا فهم لهم صحيح، ولا قصد لهم صحيح لمن فرض أن لهم فهما فقال وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ أي لأفهمهم ...

<<  <  ج: ص:  >  >>