للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فساروا إلى بدر، فكانت الوقعة فسقوا كؤوس المنايا مكان الخمر، وناحت عليهم النوائح مكان القيان. فأما البطر فهو الطغيان في النعم، وترك شكرها. والرياء: العمل من أجل رؤية الناس. وسبيل الله هاهنا: دينه.

[[سورة الأنفال (٨) : آية ٤٨]]

وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٨)

قوله تعالى: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ.

(٦٥٢) قال عروة بن الزبير: لما أجمعت قريش المسير إلى بدر، ذكروا ما بينهم وبين كنانة من الحرب، فتبدَّى لهم إبليس في صورة سراقة بن مالك المدلجيّ، وكان من اشراف بني كنانة، فقال لهم:

لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ من أن تأتيكم كنانة بشيء تكرهونه، فخرجوا سراعا. وفي المراد بأعمالهم ها هنا ثلاثة أقوال:

أحدها: شركهم. والثاني: مسيرهم إلى بدر. والثالث: قتالهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله تعالى: فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ أي: صارتا بحيث رأت إحداهما الأخرى. وفي المراد بالفئتين قولان: أحدهما: فئة المسلمين، وفئة المشركين، وهو قول الجمهور. والثاني: فئة المسلمين، وفئة الملائكة، ذكره الماوردي. قوله تعالى: نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ قال أبو عبيدة: رجع من حيث جاء. وقال ابن قتيبة: رجع القهقري. قال ابن السائب: كان إبليس في صف المشركين على صورة سراقة، آخذاً بيد الحارث بن هشام فرأى الملائكة فنكص على عقبيه، فقال له الحارث: أفراراً من غير قتال؟ فقال:

إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ، فلما هُزم المشركون، قالوا: هَزَمَ الناسَ سراقةُ، فبلغه ذلك، فقال: والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغتني هزيمتكم. قال قتادة: صدق عدوّ الله في قوله: إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ، ذُكر لنا أنه رأى جبريل ومعه الملائكة، فعلم أنه لا يد له بالملائكة، وكذب عدو الله في قوله: إِنِّي أَخافُ اللَّهَ، والله ما به مخافة الله، ولكن علم أنه لا قوَّة له بهم. وقال عطاء: معناه: إني أخاف الله أن يهلكني. وقال ابن الانباري: لما رأى نزول الملائكة، خاف أن تكون القيامة فيكون انتهاء إنظاره فيقع به العذاب. ومعنى «نكص» رجع هارباً بخزي وذلّ. واختلفوا في قوله تعالى: وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ هل هو ابتداء كلام أو تمام الحكاية عن إبليس، على قولين.

[[سورة الأنفال (٨) : آية ٤٩]]

إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩)

قوله تعالى: إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ قال ابن عباس: هم قوم من أهل المدينة من الأوس


ورد من وجوه ضعيفه، لا تقوم بها حجة. أخرجه الطبري ١٦٢٠٠ عن عروة بن الزبير مرسلا. وأخرجه الطبري ١٦١٩٨ عن ابن عباس، وفيه إرسال بين علي بن أبي طلحة وابن عباس. وانظر تفسير «ابن كثير» ٢/ ٣٩٧. وانظر ما يأتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>