للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصدر الوليِّ، والوِلاية: مصدر الوالي، يقال: وليّ بين الوَلاية، ووالٍ بيِّن الولاية، فهذا هو الاختيار ثم يصلح في ذا ما يصلح في ذا. وقال ابن فارس: الوَلاية، بالفتح: النصرة، وقد تكسر. والوِلاية، بالكسر: السلطان.

فصل: وذهب قوم إلى أن المراد بهذه الولاية موالاة النصر والمودَّة. قالوا: ونسخ هذا الحكم بقوله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ «١» فأما القائلون بأنها ولاية الميراث، فقالوا:

نسخت بقوله تعالى: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ «٢» .

قوله تعالى: وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ أي: إن استنصركم المؤمنون الذين لم يهاجروا فانصروهم، إلا أن يستنصروكم على قوم بينكم وبينهم عهد، فلا تغدروا بأرباب العهد. وقال بعضهم: لم يكن على المهاجر أن ينصرَ من يهاجر إلّا أن يستنصره.

[سورة الأنفال (٨) : الآيات ٧٣ الى ٧٤]

وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ (٧٣) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (٧٤)

قوله تعالى: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ فيه قولان «٣» : أحدهما: في الميراث، قاله ابن عباس. والثاني: في النصرة، قاله قتادة. وفي قوله تعالى: إِلَّا تَفْعَلُوهُ قولان: أحدهما: أنه يرجع إلى الميراث، فالمعنى: إلاَّ تأخذوا في الميراث بما أمرتكم، قاله ابن عباس. والثاني: أنه يرجع إلى التّناصر. فالمعنى: إلّا تتعاونوا وتتناصروا في الدين، قاله ابن جريج. وبيانه: أنه إذا لم يتولَّ المؤمنُ المؤمنَ تولِّياً حقاً، ويتبرأ من الكافر جداً، أدَّى ذلك إلى الضلال والفساد في الدين. فاذا هجر المسلم أقاربه الكفار، ونصر المسلمين، كان ذلك أدعى لأقاربه الكفار إلى الإسلام وترك الشرك.

قوله تعالى: وَفَسادٌ كَبِيرٌ قرأ أبو هريرة، وابن سيرين، وابن السميفع: «كثير» بالثاء.

قوله تعالى: أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا أي: هم الذين حقَّقوا إيمانهم بما يقتضيه من الهجرة والنصرة، بخلاف من أقام بدار الشرك. والرزق الكريم: هو الحسن، وذلك في الجنّة.


(١) سورة التوبة: ٧١.
(٢) سورة الأنفال: ٧٥.
(٣) قال الطبري في «تفسيره» ٦/ ٢٩٨: وأولى التأويلين قول من قال: معناه: أن بعضهم أنصار بعض دون المؤمنين، وأنه دلالة على تحريم الله على المؤمن المقام في دار الحرب وترك الهجرة، لأن المعروف في كلام العرب من معنى «الولي» أنه النصير والمعين، أو: ابن العم والنسيب فأما الوارث فغير معروف ذلك من معانيه إلا بمعنى أنه يليه في القيام بإرثه من بعده وذلك معنى بعيد، وإن كان قد يحتمله الكلام. وتوجيه معنى كلام الله إلى الأظهر الأشهر أولى من توجيهه إلى خلاف ذلك. وإذا كان ذلك كذلك، فبين أن أولى التأويلين بقوله:
إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ تأويل من قال: إلا تفعلوا ما أمرتكم به من التعاون والنصرة على الدين، تكن فتنة في الأرض، إذ كان مبتدأ الآية من قوله إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بالحث على الموالاة على الدين والتناحر جاء، فكذلك الواجب أن تكون خاتمتها به. ا. هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>