للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفداء من الأسارى فعاتبه الله كما تسمعون. قال مورِّق: عاتبه ربُّه بهذا. وقال سفيان بن عيينة: انظر إلى هذا اللطف، بدأه بالعفو قبل أن يعيِّره بالذَّنْب. وقال ابن الأنباري: لم يخاطَب بهذا لجرم أجرمه، لكنَّ الله وقَّره ورفع من شأنه حين افتتح الكلام بقوله تعالى: عَفَا اللَّهُ عَنْكَ كما يقول الرجل لمخاطبه إذا كان كريماً عليه: عفا الله عنك، ما صنعت في حاجتي؟ ورضي الله عنك، هلاَّ زرتني.

قوله تعالى: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا فيه قولان: أحدهما: أن معناه: حتى تعرف ذوي العذر في التخلُّف ممن لا عذر له. والثاني: لو لم تأذن لهم لقعدوا وبان لك كذبهم في اعتذارهم. قال قتادة: ثم إن الله تعالى نسخ هذه الآية بقوله تعالى: فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ «١» .

[سورة التوبة (٩) : الآيات ٤٤ الى ٤٥]

لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤) إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥)

قوله تعالى: لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ قال ابن عباس: هذا تعيير للمنافقين حين استأذنوا في القعود. قال الزجاج: أعلم الله عزّ وجلّ نبيّه صلى الله عليه وسلم أنَّ علامة النفاق في ذلك الوقت الاستئذان.

(فصل:) وروي عن ابن عباس أنه قال: نسخت هذه الآية بقوله تعالى: لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ «٢» إلى آخر الآية. قال أبو سليمان الدّمشقي: وليس للنّسخ ها هنا مدخل، لإمكان العمل بالآيتين، وذلك أنه إنما عاب على المنافقين أن يستأذنوه في القعود عن الجهاد من غير عذر، وأجاز للمؤمنين الاستئذان لما يعرض لهم من حاجة، وكان المنافقون إذا كانوا معه فعرضت لهم حاجة، ذهبوا من غير استئذانه.

[سورة التوبة (٩) : الآيات ٤٦ الى ٤٧]

وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ (٤٦) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلاَّ خَبالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٤٧)

قوله تعالى: وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ يعني المستأذنين له في القعود. وفي المراد بالعُدَّة قولان:

أحدهما: النية، قاله الضحاك عن ابن عباس. والثاني: السلاح والمركوب وما يصلح للخروج، قاله أبو صالح عن ابن عباس. والانبعاث: الانطلاق. والتثبُّط: ردُّك الإنسان عن الشيء يفعله. قوله تعالى:

وَقِيلَ اقْعُدُوا في القائل لهم ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم أُلهموا ذلك خذلاناً لهم. قاله مقاتل.

والثاني: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قاله غضباً عليهم. والثالث: أنه قول بعضهم لبعض، ذكرهما الماوردي «٣» . وفي المراد بالقاعدين قولان: أحدهما: أنهم القاعدون بغير عذر، قاله ابن السائب. والثاني: أنهم القاعدون بعذر، كالنساء والصبيان، ذكره عليّ بن عيسى. قال الزّجّاج: ثم أعلم الله عزّ وجلّ لم كره خروجهم،


(١) سورة النور: ٦٢.
(٢) سورة النور: ٦٢.
(٣) انظر «تفسير القرطبي» ٨/ ١٤٢. و «تفسير الشوكاني» ٢/ ٤١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>