للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أن الموجِب للنعيم الرضوان، والموجَب ثمرة الموجب، فهو الأصل.

[[سورة التوبة (٩) : آية ٧٣]]

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (٧٣)

قوله تعالى: جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ أما جهاد الكفار فبالسيف. وفي جهاد المنافقين قولان «١» : أحدهما: أنه باللسان، قاله ابن عباس، والحسن، والضحاك، والربيع بن أنس. والثاني:

جهادهم باقامة الحدود عليهم، روي عن الحسن وقتادة. فان قيل: إذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بجهادهم وهو يعلم أعيانهم، فكيف تركهم بين أظهر أصحابه فلم يقتلهم «٢» ؟. فالجواب: أنه إنما أُمر بقتال من أظهر كلمة الكفر وأقام عليها، فأما من إذا أُطلع على كفره، أنكر وحلف وقال: إني مسلم، فإنّه أمر أن يأخذ بظاهر أمره، ولا يبحث عن سِرِّه.

قوله تعالى: وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ قال ابن عباس: يريد شدة الانتهار لهم، والنظر بالبغضة والمقت.

وفي الهاء والميم من «عليهم» قولان: أحدهما: أنه يرجع إلى الفريقين، قاله ابن عباس. والثاني: إلى المنافقين، قاله مقاتل.

[[سورة التوبة (٩) : آية ٧٤]]

يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (٧٤)

قوله تعالى: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا في سبب نزولها ثلاثة أقوال «٣» :


(١) قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٢/ ٤٥٩: إنه لا منافاة بين هذه الأقوال لأنه تارة يؤاخذهم بهذا وتارة بهذا بحسب الأحوال والله أعلم.
(٢) قال ابن العربي رحمه الله في «أحكام القرآن» ٢/ ٥٤٤: قال علماء الإسلام ما تقدم، فأشكل ذلك واستبهم ولا أدري صحة هذه الأقوال في السند. أما المعنى فإن من المعلوم في الشريعة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجاهد الكفار بالسيف على اختلاف أنواعهم، حسب ما تقدم بيانه. وأما المنافقون فكان مع علمه بهم يعرض عنهم ويكتفي بظاهر إسلامهم ويسمع أخبارهم فيلغيها بالبقاء عليهم، وانتظار الفيئة إلى الحق بهم، وإبقاء على قومهم، لئلا تثور نفوسهم عند قتلهم، وحذرا من سوء الشنعة في أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، فكان لمجموع هذه الأمور يقبل ظاهر إيمانهم، وبادي صلاتهم، وغزوهم، ويكل سرائرهم إلى ربهم، وتارة كان يبسط لهم وجهه الكريم، وأخرى كان يظهر التغير عليهم. وأما إقامة الحجة باللسان فكانت دائمة، وأما قول من قال: إن جهاد المنافقين بإقامة الحدود فيهم لأن أكثر إصابة الحدود كانت عندهم فإنه دعوى لا برهان عليها وليس العاصي بمنافق، إنما المنافق بما يكون في قلبه النفاق كامنا، لا بما تتلبس به الجوارح ظاهرا، وأخبار المحدودين يشهد مساقها أنهم لم يكونوا منافقين.
(٣) قال الطبري في «تفسيره» ٦/ ٤٢٢: والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إن الله تعالى أخبر عن المنافقين أنهم يحلفون بالله كذبا على كلمة كفر تكلموا بها، أنهم لم يقولوها. وجائز أن يكون ذلك القول أن الجلاس قاله، وجائز أن يكون قائله عبد الله بن أبي بن سلول، والقول ما ذكر قتادة عنه أنه قال ولا علم لنا بأي ذلك من أي إذا كان لا خبر بأحدهما يوجب الحجة، ويتوصل به إلى يقين العلم به، وليس مما يدرك علمه بفطرة العقل، فالصواب أن يقال فيه كما قال الله جل ثناؤه: «يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم» . ا. هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>