للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم يعود ما ينتظرونه لك من البلاء. قال الفراء: وفتح السين من السَّوء هو وجه الكلام. فمن فتح أراد المصدر من: سُؤْتُه سَوْءاً ومَساءَةً، ومن رفع السين، جعله اسما، كقولك: عليهم دائرة البلاء والعذاب. لا يجوز ضمّ السّين في قوله تعالى: ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ «١» ولا في قوله تعالى:

وَظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ «٢» لأنه ضدٌّ لقولك: رجُلُ صِدْق. وليس للسوء ها هنا معنى في عذاب ولا بلاء، فيضمّ.

[[سورة التوبة (٩) : آية ٩٩]]

وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٩)

قوله تعالى: وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ قال ابن عباس: وهم من أسلم من الأعراب، مثل جُهينة، وأسلم، وغِفار. وفي قوله تعالى: وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قولان: أحدهما: في الجهاد.

والثاني: في الصدقة. فأما القربات، فجمع قُربة، وهي: ما يقرِّب العبدَ من رضى الله ومحبته. قال الزجاج: وفي القربات ثلاثة أوجه: ضم الراء، وفتحها، وإسكانها. وفي المراد بصلوات الرسول قولان: أحدهما: استغفاره، قاله ابن عباس. والثاني: دعاؤه، قاله قتادة، وابن قتيبة، والزجاج، وأنشد الزجاج:

عليكِ مثلُ الذي صَلَّيتِ فاغْتَمِضِي ... نَوْماً، فانَّ لِجَنْبِ المَرْءِ مضطَجَعا «٣»

قال: إن شئتَ قلتَ: مثلَ الذي، ومثلُ الذي فالأول أَمْرٌ لها بالدعاء، كأنه قال: ادعي لي مثل الذي دعوتِ. والثاني بمعنى: عليكِ مثلُ هذا الدعاء.

قوله تعالى: أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: «قربةٌ لهم» خفيفة. وروى ورش، وإسماعيل بن جعفر عن نافع، وأبان، والمفضل عن عاصم: «قُرُبةٌ لهم» بضم الراء. وفي المشار إليها وجهان: أحدهما: أن الهاء ترجع إلى نفقتهم وإيمانهم. والثاني: إلى صلوات الرسول.

قوله تعالى: سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ قال ابن عباس: في جنّته.

[[سورة التوبة (٩) : آية ١٠٠]]

وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠)

قوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ فيهم ستة أقوال: أحدها: أنهم الذين صلوا إلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله أبو موسى الأشعري، وسعيد بن المسيب، وابن سيرين، وقتادة. والثاني: أنهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان، وهي الحديبية، قاله الشعبي. والثالث: أنهم أهل بدر، قاله عطاء بن أبي رباح. والرابع: أنهم جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حصل لهم السبق بصحبته. قال محمد بن كعب القرظي: إن الله قد غفر لجميع أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم وأوجب لهم الجنّة محسنهم ومسيئهم


(١) سورة مريم: ٢٨.
(٢) سورة الفتح: ١٢.
(٣) البيت منسوب للأعشى، ديوانه: ١٠١، و «اللسان» صلى.

<<  <  ج: ص:  >  >>