للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغلمان. قال ابن الأنباري: وإِنما قيل لهؤلاء: «ذرية» لأنهم أولاد الذين بُعث إِليهم موسى، وإِن كانوا بالغين. والثالث: أنهم قوم، أُمهاتهم من بني إِسرائيل، وآباؤهم من القبط، قاله مقاتل، واختاره الفراء.

قال: وإِنما سُمُّوا «١» ذريةً كما قيل لأولاد فارس: الأبناء، لأن أُمهاتهم من غير جنس آبائهم. وفي هاء «قومه» قولان: أحدهما: أنها تعود إِلى موسى، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثاني: إِلى فرعون، رواه أبو صالح عن ابن عباس «٢» . فعلى القول الأول يكون قوله: عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ أي: وملأ فرعون. قال الفرّاء: إنّما قال: «وملئهم» بالجمع، وفرعون واحد، لأن الملك إذا ذُكر ذهب الوهم إِليه وإِلى من معه، تقول: قدم الخليفة فكثر الناس، تريد: بمن معه. وقد يجوز أن يريد بفرعون: آل فرعون، كقوله: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ «٣» . وعلى القول الثاني: يرجع ذِكر الملأ إِلى الذرية. قال ابن جرير: وهذا أصح، لأنه كان في الذرِّيةَ من أبوه قبطي وأُمُّه إِسرائيلية، فهو مع فرعون على موسى.

قوله تعالى: أَنْ يَفْتِنَهُمْ يعني فرعون، ولم يقل: يفتنوهم، لأن قومه كانوا على مَن كان عليه.

وفي هذه الفتنة قولان: أحدهما: أنها القتل، قاله ابن عباس. والثاني: التعذيب، قاله ابن جرير. قوله تعالى: وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعالٍ فِي الْأَرْضِ قال ابن عباس: متطاول في أرض مصر وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ حين كان عبداً فادّعى الربوبيَّة.

قوله تعالى: إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا لمّا شكا بنو إِسرائيل إِلى موسى ما يهددّهم به فرعون من ذبح أولادهم، واستحياء نسائهم، قال لهم هذا.

وفي قوله: لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً ثلاثة أقوال: أحدها: لا تهلكنا بعذاب على أيدي قوم فرعون، ولا بعذاب من قِبَلك، فيقول قوم فرعون: لو كانوا على حق ما عُذّبِوا ولا سُلِّطْنا عليهم. والثاني: لا تسلِّطهم علينا فيفتنونا، والقولان مرويان عن مجاهد. والثالث: لا تسلِّطهم علينا فيفتتنون بنا، لظنهم أنهم على حق، قاله أبو الضحى، وأبو مجلز.

قوله تعالى: أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً قال المفسرون: لما أُرسل موسى، أَمر فرعونُ بمساجد بني إِسرائيل فخُرِّبت كلُّها، ومُنعوا من الصلاة، وكانوا لا يصلُّون إِلا في الكنائس فأُمروا أن يتخذوا مساجد في بيوتهم ويصلُّون فيها خوفاً من فرعون. و «تبوّءا» معناه: اتّخذا، وقد شرحناه في سورة


(١) قال الطبري رحمه الله ٦/ ٥٩٣: وقد زعم بعض أهل العربية أنه إنما قيل: «فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه» لأن الذين آمنوا به إنما كانت أُمهاتهم من بني إِسرائيل، وآباؤهم من القبط، فقيل لهم «الذرية» من أجل ذلك، كما قيل لأبناء الفرس الذين أمهاتهم من العرب وآباؤهم من العجم «أبناء» . والمعروف من معنى (الذرية) في كلام العرب، أنها أعقاب من نسبت إليه من قبل الرجال والنساء، كما قال تعالى ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ (الإسراء: ٣) وكما قال تعالى وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ ثم قال بعد وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ الأنعام ٨٤، ٨٥ فجعل من كان قبل الرجال والنساء من ذرية إبراهيم.
(٢) والذي ذهب إليه الطبري رحمه الله ٦/ ٥٩٢: هو أنه في قوله عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِمْ الدليل الواضح على أن «الهاء» في «قومه» من ذكر موسى، لا من ذكر فرعون، لأنها لو كانت من ذكر فرعون، لكان الكلام عَلى خَوْفٍ منه ولم يكن عَلى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ.
(٣) سورة يوسف ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>