للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإِبصار الحق، وفعل الطاعة، لأن الله تعالى حال بينهم وبين ذلك، هذا معنى قول ابن عباس، ومقاتل. والثاني: أن المعنى: يضاعف لهم العذاب بما كانوا يستطيعون السمع ولا يسمعونه، وبما كانوا يبصرون حُجج الله ولا يعتبرون بها، فحذف الباء، كما تقول العرب: لأجزينَّك ما عملت، وبما عملت، ذكره الفراء، وأنشد ابن الأنباري في الاحتجاج له:

نُغالي اللحمَ للأضياف نيِئا ... ونبذُله إِذا نضِجَ القُدورُ «١»

أراد: نغالي باللحم. والثالث: أنهم من شدة كفرهم وعداوتهم للنبيّ صلى الله عليه وسلم ما كانوا يستطيعون السّمع ليفهموا ما يقول، قاله الزجاج.

والقول الثاني: أنهم الأصنام، فالمعنى ما كان للآلهة سمع ولا بصر، فلم تستطع لذلك السمع، ولم تكن تبصر. فعلى هذا، يرجع قوله: «ما كانوا» إِلى أوليائهم، وهي الأصنام، وهذا المعنى منقول عن ابن عباس أيضا.

[سورة هود (١١) : الآيات ٢٢ الى ٢٤]

لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٢٢) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٣) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٤)

قوله تعالى: لا جَرَمَ قال ابن عباس: يريد: حقاً إِنهم الأخسرون. وقال الفراء: لا جَرَمَ كلمة كانت في الأصل بمنزلة لا بد ولا محالة، فجرت على ذلك، وكثر استعمالهم إِياها حتى صارت بمنزلة «حقا» ، ألا ترى أن العرب تقول: لا جرم لآتينَّك، لا جرم لقد أحسنت، وأصلها من جرمتُ، أي: كسبت الذنب. قال الزجاج: ومعنى لا جَرَمَ: «لا» نفي لما ظنوا أنه ينفعهم، كأن المعنى: لا ينفعهم ذلك جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون، أي كسب لهم ذلك الفعلُ الخسرانَ. وذكر ابن الأنباري أن «لا» رد على أهل الكفر فيما قدَّروه من اندفاع الشر عنهم في الآخرة، والمعنى: لا يندفع عنهم عذابي، ولا يجدون ولياً يصرف عنهم نقمتي، ثم ابتدأ مستأنفاً «جرم» ، قال: وفيها قولان:

أحدهما: أنها بمعنى: كسب كفرهم وما قدَّروا من الباطل وقوعَ العذاب بهم. ف جَرَمَ فعل ماض، معناه: كسب، وفاعله مُضمر فيه من ذكر الكفر وتقرير الباطل. والثاني: أن معنى جرم: أحقَّ وصحَّحَ، وهو فعل ماض، وفاعله مضمر فيه، والمعنى: أحقَّ كفرُهم وقوعَ العذاب والخسران بهم، قال الشاعر:

ولقد طَعَنْتَ أبا عُيَيْنَةَ طعنةً ... جرمت فزارة بعدها أن يَغْضَبُوا «٢»

أراد: حقت الطعنةُ فزارة بالغضب. ومن العرب من يغيِّرُ لفظ «جرم» مع «لا» خاصة، فيقول بعضهم: «لا جُرْم» ، ويقول آخرون: «لا جَرْ» باسقاط الميم، ويقال: «لاذا جرم» و «لاذا جر» بغير ميم، و «لا إِن ذا جرم» و «لا عن ذا جرم» ، ومعنى اللغات كلها: حقا.


(١) ذكره ابن منظور في «اللسان» ، مادة «غلا» ولم ينسبه لأحد.
ونغالي: من الغلاء، وهو نقيض الرخص، وغالى بالشيء: اشتراه بثمن غال.
(٢) ذكره ابن منظور في «اللسان» مادة «جرم» ونسبه لأبي أسماء بن الضريبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>