للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[[سورة هود (١١) : آية ٣٦]]

وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦)

قوله تعالى: وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ قال المفسرون: لما أوحي إِليه هذا، استجاز الدعاء عليهم، فقال: لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً «١» . قوله تعالى: فَلا تَبْتَئِسْ قال ابن عباس ومجاهد: لا تحزن. وقال الفراء والزجاج: لا تستكن ولا تحزن. قال أبو صالح عن ابن عباس: فلا تحزن إِذا نزل بهم الغرق بِما كانُوا يَفْعَلُونَ.

[سورة هود (١١) : الآيات ٣٧ الى ٣٨]

وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (٣٨)

قوله تعالى: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ أي: واعمل السفينة. وفي قوله: بِأَعْيُنِنا ثلاثة أقوال: أحدها:

بمرأىً منا، قاله ابن عباس. والثاني: بحفظنا، قاله الربيع. والثالث: بعلمنا، قاله مقاتل. قال ابن الأنباري: إِنما جمع على مذهب العرب في إِيقاعها الجمع على الواحد، تقول: خرجنا إِلى البصرة في السفن، وإِنما جمع، لأن من عادة الملك أن يقول: أمرنا ونهينا. وفي قوله: وَوَحْيِنا قولان:

أحدهما: وأمرنا لك أن تصنعها. والثاني: وبتعليمنا إِياك كيف تصنعها. قوله تعالى: وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا فيه قولان: أحدهما: لا تسألني الصفح عنهم. والثاني: لا تخاطبني في إِمهالهم. وإِنما نهي عن الخطاب في ذلك صيانة له عن سؤال لا يجاب فيه.

(الإِشارة إِلى كيفية عمل السفينة) روى الضحاك عن ابن عباس قال: كان نوح يُضرب ثم يُلفُّ في لِبْدٍ فيُلقى في بيته، يُرَوْن أنه قد مات، ثم يخرج فيدعوهم. حتى إِذا يئس من إِيمان قومه، جاءه رجل ومعه ابنه وهو يتوكأ على عصاً، فقال: يا بني، انظر هذا الشيخ لا يغررك، قال: يا أبت أمكني من العصا، فأخذها فضربه ضربةً شجه مُوْضِحَةً، وسالت الدماء على وجهه، فقال: رب قد ترى ما يفعل بي عبادك، فان يكن لك فيهم حاجة فاهدهم، وإِلا فصبِّرني إِلى أن تحكم، فأوحى الله إِليه: أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ إلى قوله تعالى: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ، قال: يا ربّ، وما الفلك؟ قال: بيت من خشب يجري على وجه الماء أُنجّي فيه أهل طاعتي، وأغرق أهل معصيتي، قال: يا ربّ، وأين الماء؟ قال: إِني على ما أشاء قدير، قال: يا ربّ، وأين الخشب؟ قال: اغرس الشجر، فغرس الساج عشرين سنة، وكفّ عن دعائهم، وكفُّوا عنه، إِلا أنهم يستهزئون به، فلما أدرك الشجر، أمره ربّه، فقطعه وجفّفه ولفّقه، فقال: يا ربّ، كيف أتخذ هذا البيت؟ قال: أجعله على ثلاث صور، رأسه كرأس الطّاوس، وجؤجؤه كجؤجؤ الطائر، وذنبه كذنب الديك، واجعلها مطبقة، وبعث الله إِليه جبريل يعلمه، وأوحى الله إِليه أن عجِّل عمل السفينة فقد اشتد غضبي على مَنْ عصاني، فاستأجر نجارين يعملون معه، وسام، وحام، ويافث، معه ينحتون السفينة، فجعل طولها ستمائة ذراع، وعرضها ثلاثمائة وثلاثين ذراعا، وعلوها ثلاثا


(١) سورة نوح: ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>