للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سورة هود (١١) : الآيات ٥٤ الى ٥٦]

إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٥٤) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ (٥٥) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٦)

قوله تعالى: إِنْ نَقُولُ أي: ما نقول في سبب مخالفتك إِيانا إِلا أن بعض آلهتنا أصابك بجنون لسبِّك إياها، فالذي تُظهر من عيبها لِما لحق عقلك من التغيير. قال ابن قتيبة: يقال: عراني كذا، واعتراني: إِذا ألمَّ بي. ومنه قيل لمن أتاك يطلب نائلك: عارٍ، ومنه قول النابغة:

أَتَيْتُكَ عَارِيَاً خَلَقاً ثيابي ... على خَوْفٍ تُظَنُّ بِيَ الظّنون «١»

قوله تعالى: إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِلى آخر الآية. حرك ياء «إِنيَ» نافع.

ومعنى الآية: إِن كنتم تقولون: إِن الآلهة عاقبتني لطعني عليها، فاني على يقين من عيبها والبراءةِ منها، وها أنا ذا أزيد في الطعن عليها، فَكِيدُونِي جَمِيعاً أي: احتالوا أنتم وأوثانكم في ضرّي، ثم لا تمهلون.

قال الزجاج: وهذا من أعظم آيات الرسل، أن يكون الرسول وحدهَ وأُمتُه متعاونة عليه، فيقول لهم:

كيدوني، فلا يستطيع أحد منهم ضرَّه، وكذلك قال نوح لقومه: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ «٢» . وقال محمّد صلى الله عليه وسلم: فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ «٣» .

قوله تعالى: إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها قال أبو عبيدة: المعنى: أنها في قبضته ومِلكه وسلطانه.

فان قيل: لم خص الناصية؟ فالجواب: أن الناصية هي شعر مقدَّم الرأس، فاذا أخذت بها من شخص، فقد ملكت سائر بدنه، وذلَّ لك.

قوله تعالى: إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ قال مجاهد: على الحق. وقال غيره: في الكلام إِضمار، تقديره: إِن ربي يدل على صراط مستقيم.

فان قيل ما وجه المناسبة بين قوله: إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها وبين كونه عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ؟ فعنه جوابان «٤» : أحدهما: أنه لما أخبر أنه آخذ بنواصي الخلق، كان معناه: أنهم لا يخرجون عن قبضته، فأخبر أنه على طريق لا يعدل عنه هارب، ولا يخفي عليه مستتر. والثاني: أن المعنى: أنه وإِن كان قادرا عليهم، فهو لا يظلمهم، ولا يريد إلّا العدل، ذكرهما ابن الأنباري.

[[سورة هود (١١) : آية ٥٧]]

فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (٥٧)


(١) في «اللسان» : وثوب خلق: بال.
(٢) سورة يونس: ٧١.
(٣) سورة المرسلات: ٣٩.
(٤) قال ابن كثير رحمه الله ٢/ ٥٥٤: وقد تضمن هذا المقام حجة بالغة، ودلالة قاطعة على صدق ما جاءهم به، وبطلان ما هم عليه من عبادة الأصنام التي لا تنفع ولا تضر، بل هي جماد لا تسمع ولا تبصر ولا توالي ولا تعادي، وإنما يستحق إخلاص العبادة، الله وحده لا شريك له الذي بيده الملك، وله التصرف، وما من شيء إلا تحت ملكه وقهره وسلطانه، فلا إله إلا هو، ولا رب سواه.

<<  <  ج: ص:  >  >>