للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكرناها في سورة براءة «١» ، ونحن نشير إلى قصة هلاكهم ها هنا.

قال ابن عباس: أمر جبريل لوطاً بالخروج، وقال: اخرج وأخرج غنمك وبقرك، فقال: كيف لي بذلك وقد أُغلقت أبواب المدينة؟ فبسط جناحه، فحمله وبنتيه وما لهم من شيء، فأخرجهم من المدينة، وسأل جبريل ربَّه، فقال: يا رب ولِّني هلاك هؤلاء القوم، فأوحى الله إِليه أن تولّ هلاكهم فلما أن بدا الصبح، غدا عليهم جبريل فاحتملها على جناحه، ثم صَعِدَ بها حتى خرج الطير في الهواء لا يدري أين يذهب، ثم كَفَأهَا عليهم، وسمعوا وَجْبَةً «٢» شديدة، فالتفتت امرأة لوط، فرماها جبريل بحجر فقتلها، ثم صَعِدَ حتى أشرف على الأرض، فجعل يتّبع مُسافِرَهم وَرعَاتهم ومَنْ تحوَّل عن القرية، فرماهم بالحجارة حتى قتلهم. وقال السدي: اقتلع جبريل الأرض من سبع أرضين، فاحتملها حتى بلغ بها إِلى أهل السماء الدنيا، حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم، ثم قلبها. وقال غيره: كانت خمس قرى، أعظمها سَدوم، وكان القوم أربعة آلاف ألف. وقيل: كان في كل قرية مائة ألف مقاتل، فلما رفعها إِلى السماء، لم ينكسر لهم إِناء ولم يسقط حتى قلبها عليهم. وقيل: نجت من الخمس واحدة لم تكن تعمل مثل عملهم. وانفرد سعيد بن جبير، فقال: إِن جبريل وميكائيل تولَّيا قلبها.

قوله تعالى: وَأَمْطَرْنا عَلَيْها في هاء الكناية قولان: أحدهما: أنها ترجع إِلى القرى. والثاني:

إِلى الأمة. وفي السّجّيل سبعة أقوال «٣» :

أحدها: أنها بالفارسية سَنْك وكِلْ، السنك: الحجر، والكل: الطين، هذا قول ابن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير. وقال مجاهد: أولها حجر، وآخرها طين. وقال الضحاك: يعني الآجرّ.

قال ابن قتيبة: من ذهب إِلى هذا القول، اعتبره بقوله: حِجارَةً مِنْ طِينٍ يعنى الآجر. وحكى الفراء أنه طين قد طبخ حتى صار بمنزلة الرّحاء «٤» . والثاني: أنه بحر معلَّق في الهواء بين السماء والأرض، ومنه نزلت الحجارة، قاله عكرمة. والثالث: أن السجيل: اسم السماء الدنيا، فالمعنى: حجارة من السماء الدنيا، قاله ابن زيد. والرابع: أنه الشديد من الحجارة الصلب، قاله أبو عبيدة، وأنشد لابن مقبل:

ضرباً تواصَتْ به الأبطالُ سِجِّينَا «٥» وردّ هذا القول ابن قتيبة، فقال: هذا بالنون، وذاك باللام، وإِنما هو في هذا البيت فعيل من سجنت، أي: حبست، كأنه يثبت صاحبه. والخامس: أن قوله: مِنْ سِجِّيلٍ كقولك: من سِجلّ، أي: مما كُتب لهم أن يعذَّبوا به، وهذا اختيار الزجاج. والسادس: أنه من أسجلته، أي: أرسلته، فكأنها مرسلة عليهم. والسابع: أنه من أسجلت: إِذا أعطيت، حكى القولين الزّجّاج.


(١) الآية: ٧٠.
(٢) في «اللسان» الوجبة: صوت الشيء يسقط فيسمع له كالهدّة.
(٣) قال الإمام الطبري رحمه الله ٧/ ٩٣: والصواب من القول في ذلك عندنا ما قاله المفسرون، وهو أنها حجارة من طين، وبذلك وصفها الله في كتابه في موضع، وذلك قوله: لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ سورة الذاريات: ٣٣- ٣٤.
(٤) وقع في نسخة: «الأرحاء» ، وفي «اللسان» الرحاء من الرحا: الحجارة والصخرة العظيمة.
(٥) هو عجز بيت، وصدره في «اللسان» مادة «سجن» : ورجلة يضربون البيض عن عرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>