للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أنه رخص الأسعار، قاله ابن عباس، والحسن، ومجاهد. والثاني: سَعَةُ المال، وهو مروي عن ابن عباس أيضاً، وبه قال قتادة، وابن زيد. وقال الفراء: أموالكم كثيرة، وأسعاركم رخيصة، فأيّ حاجة بكم إلى سوء الكيل والوزن «١» ؟! قوله تعالى: وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه غلاء السعر، قاله ابن عباس. وقال مجاهد: القحط والجدب والغلاء. والثاني: العذاب في الدنيا، وهو الذي أصابهم، قاله مقاتل. والثالث: عذاب النار في الآخرة، ذكره الماوردي «٢» .

قوله تعالى: أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ أي: أتمُّوا ذلك بالعدل. والإِيفاء: الإِتمام.

وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ بنقص المكيال والميزان.

[سورة هود (١١) : الآيات ٨٦ الى ٩٥]

بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (٨٦) قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ما نَشؤُا إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ (٨٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَما تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (٨٨) وَيا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ (٨٩) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ (٩٠)

قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (٩١) قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٩٢) وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (٩٣) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٩٤) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥)

قوله تعالى: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ فيه ثمانية أقوال «٣» : أحدها: ما أبقى الله بكم من الحلال بعد


(١) قال الإمام الطبري رحمه الله ٧/ ٩٧: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، ما أخبر الله عن شعيب أنه قال لقومه، وذلك قوله إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ يعني: بخير الدنيا. وقد يدخل في خير الدنيا المال وزينة الحياة الدنيا ورخص السعر، ولا دلالة على أنه بقيله ذلك بعض خيرات الدنيا دون بعض، فذلك على كل معاني خيرات الدنيا التي ذكر أهل العلم أنهم كانوا أوتوها.
(٢) في تفسيره: ٢/ ٤٩٥.
(٣) قال الإمام الطبري رحمه الله ٧/ ٩٨: يعني تعالى ذكره بقوله: بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ ما أبقاه الله لكم بعد أن توفوا الناس حقوقهم بالمكيال والميزان بالقسط، فأحله لكم من الذي يبقى لكم ببخسكم الناس من حقوقهم بالمكيال والميزان. ثم ذكر سبب اختياره لهذا التأويل فقال في ٧/ ١٠٠: وإنما اخترت في تأويل ذلك القول الذي اخترته لأن الله تعالى ذكره إنما تقدم إليهم بالنهي عن بخس الناس أشياءهم في المكيال والميزان، وإلى ترك التطفيف في الكيل والبخس في الميزان دعاهم شعيب، فتعقيب ذلك بالخبر عما لهم من الحظ في الوفاء.
في الدنيا والآخرة أولى، مع أن قوله بَقِيَّتُ إنما هي مصدر من قول القائل: «بقيت بقية من كذا» ، فلا وجه لتوجيه معنى ذلك إلا إلى: بقية الله التي أبقاها لكم، مما لكم بعد وفائكم الناس حقوقهم، خير لكم من بقيتكم من الحرام الذي يبقى لكم من ظلمكم الناس، ببخسكم إياها في الكيل والوزن. اه.

<<  <  ج: ص:  >  >>