للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالَ لَهُ مُوسى: إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ. يجوز ان يكون هذا القول للإسرائيلي. أي أغويتني بالأمس حتى قتلت بنصرتك رجلا. ويجوز ان يكون لعدوّهما.

يَسْعى أي يسرع [في مشيه] .

قالَ: يا مُوسى! إِنَّ الْمَلَأَ يعني: الوجوه من الناس والأشراف، يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ. قال ابو عبيدة: «يتشاورون فيك ليقتلوك» .

واحتج بقول الشاعر:

أحار بن عمرو! كأني خمر ... ويعدو على المرء ما يأتمر

وهذا غلط بين لمن تدبر، ومضادّة للمعنى. كيف يعدو على المرء ما شاور فيه، والمشاورة بركة وخير؟! وانما أراد: يعدو عليه ما همّ به للناس من الشر. ومثله: قولهم: «من حفر حفرة وقع فيها» .

وقوله: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ أي يهمّون بك. يدلّك على ذلك قول النّمر بن تولب:

اعلمن أن كلّ مؤتمر ... مخطئ في الرّأي أحيانا

فإذا لم يصب رشدا ... كان بعض اللّوم ثنيانا

يعني: أن كل من ركب هواه، وفعل ما فعل بغير مشاورة فلا بد من ان يخطيء أحيانا. فإذا لم يصب رشدا لامه الناس مرتين: مرة لركوبه الأمر بغير مشاورة، ومرة لغلطه.

ومما يدلك على ذلك أيضا قوله عز وجل: وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ [سورة الطلاق آية: ٦] لم يرد تشاوروا، وإنما أراد: همّوا به، واعتزموا عليه. وقالوا في تفسيره: هو أن لا تضرّ المرأة بزوجها، ولا الزوج بالمرأة.

ولو أراد المعنى الذي ذهب إليه ابو عبيدة، لكان أولي به ان يقول: «إن

<<  <   >  >>