للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَفْرَةٍ بَعِيدَةٍ عَنِ الْعُمْرَانِ. وَالْوَارِدُ: الَّذِي يَرِدُ الْمَاءَ لِيَسْتَقِيَ لِلْقَوْمِ، وَكَانَ اسْمُهُ فِيمَا ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ «مَالِكُ بْنُ ذُعْرٍ» مِنَ الْعَرَبِ الْعَارِبَةِ فَأَدْلى دَلْوَهُ أَيْ أَرْسَلَهُ، يُقَالُ: أَدْلَى دَلْوَهُ إِذَا أَرْسَلَهَا لِيَمْلَأَهَا، وَدَلَّاهَا: إِذَا أَخْرَجَهَا، قَالَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَغَيْرُهُ. فَتَعَلَّقَ يُوسُفُ بِالْحَبْلِ، فَلَمَّا خَرَجَ الدَّلْوُ مِنَ الْبِئْرِ أَبْصَرَهُ الْوَارِدُ فَ قَالَ يا بشراي هَكَذَا قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَأَهْلُ مَكَّةَ وَأَهْلُ الْبَصْرَةِ، وَأَهْلُ الشَّامِ بِإِضَافَةِ الْبُشْرَى إِلَى الضَّمِيرِ. وَقَرَأَ أَهْلُ الْكُوفَةِ «يَا بُشْرى» غَيْرَ مُضَافٍ، وَمَعْنَى مُنَادَاتِهِ لِلْبُشْرَى أَنَّهُ أَرَادَ حُضُورَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. فَكَأَنَّهُ قَالَ: هَذَا وَقْتُ مَجِيئِكَ وَأَوَانُ حُضُورِكَ. وَقِيلَ: إِنَّهُ نَادَى رَجُلًا اسْمُهُ بشرى. والأوّل أولى. قال النحاس:

والمعنى نِدَاءِ الْبُشْرَى التَّبْشِيرُ لِمَنْ حَضَرَ، وَهُوَ أَوْكَدُ مِنْ قَوْلِكَ بَشَّرْتُهُ، كَمَا تَقُولُ يَا عَجَبَا، أَيْ: يَا عَجَبُ هَذَا مِنْ أَيَّامِكَ فَاحْضُرْ. قَالَ: وَهَذَا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وَأَسَرُّوهُ أَيْ أَسَرَّ الْوَارِدُ وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَهُ يُوسُفَ فَلَمْ يَظْهِرُوهُ لَهُمْ وَقِيلَ: إِنَّهُمْ لَمْ يُخْفُوهُ، بَلْ أخفوا وجدانه لهم فِي الْجُبِّ، وَزَعَمُوا أَنَّهُ دَفَعَهُ إِلَيْهِمْ أَهْلُ الْمَاءِ لِيَبِيعُوهُ لَهُمْ بِمِصْرَ وَقِيلَ: ضَمِيرُ الْفَاعِلِ فِي أَسَرُّوهُ لِإِخْوَةِ يُوسُفَ، وَضَمِيرُ الْمَفْعُولِ لِيُوسُفَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَأْتِيهِ أَخُوهُ يَهُوذَا كُلَّ يَوْمٍ بِطَعَامٍ، فَأَتَاهُ يَوْمَ خُرُوجِهِ مِنَ الْبِئْرِ فَأَخْبَرَ إِخْوَتَهُ فَأَتَوُا الرُّفْقَةَ وَقَالُوا: هَذَا غُلَامٌ أَبَقَ مِنَّا فَاشْتَرَوْهُ مِنْهُمْ، وَسَكَتَ يُوسُفُ مَخَافَةَ أَنْ يَأْخُذُوهُ فَيَقْتُلُوهُ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَانْتِصَابُ بِضَاعَةً عَلَى الْحَالِ، أَيْ: أَخْفَوْهُ حَالَ كَوْنِهِ بِضَاعَةً، أَيْ: مَتَاعًا لِلتِّجَارَةِ، وَالْبِضَاعَةُ: مَا يُبْضَعُ مِنَ الْمَالِ، أَيْ: يُقْطَعُ مِنْهُ لِأَنَّهَا قِطْعَةٌ مِنَ الْمَالِ الَّذِي يُتَّجَرُ بِهِ، قِيلَ: قَالَهُ لَهُمُ الْوَارِدُ وَأَصْحَابُهُ إِنَّهُ بِضَاعَةٌ اسْتَبْضَعْنَاهَا مِنَ الشَّامِ مَخَافَةَ أَنْ يُشَارِكُوهُمْ فِيهِ، وَفِي قَوْلِهِ: وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ وَعِيدٌ شَدِيدٌ لِمَنْ كَانَ فِعْلُهُ سَبَبًا لِمَا وَقَعَ فِيهِ يُوسُفُ مِنَ المحن، وما صار فيه من الابتذال يجري الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِيهِ، وَهُوَ الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ، يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ كَمَا قَالَ نَبِيُّنَا صلّى الله عليه وَسَلَّمَ فِي وَصْفِهِ بِذَلِكَ. قَوْلُهُ: وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ يُقَالُ: شَرَاهُ بِمَعْنَى اشْتَرَاهُ، وَشَرَاهُ بِمَعْنَى بَاعَهُ. قَالَ الشَّاعِرِ «١» :

وَشَرَيْتُ بُرْدًا لَيْتَنِي ... مِنْ بَعْدِ بُرْدٍ كُنْتُ هَامَهْ

أَيْ بِعْتُهُ.

وَقَالَ آخَرُ «٢» :

فَلَمَّا شَرَاهَا فَاضَتِ الْعَيْنُ عَبْرَةً «٣»

أَيِ اشْتَرَاهَا، وَالْمُرَادُ هُنَا: وَبَاعُوهُ، أَيْ: بَاعَهُ الْوَارِدُ وَأَصْحَابُهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ أَيْ نَاقِصٍ أَوْ زَائِفٍ.

وَقِيلَ: يَعُودُ إِلَى إِخْوَةِ يُوسُفَ عَلَى الْقَوْلِ السَّابِقِ وَقِيلَ: عَائِدٌ إِلَى الرُّفْقَةِ، وَالْمَعْنَى: اشْتَرَوْهُ وَقِيلَ: بَخْسٍ:

ظُلْمٍ، وَقِيلَ: حَرَامٍ. قيل: باعوه بعشرين درهما، وقيل: بأربعين، ودراهم بدل من ثمن أي دنانير،


(١) . هو يزيد بن مفرغ الحميري. و «برد» : اسم عبد كان له ندم على بيعه.
(٢) . هو الشمّاخ.
(٣) . وتمام البيت: وفي الصّدر حزّاز من اللّوم حامز. و «حامز» : عاصر. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>